يجوب في خاطرنا - غالباً - أن كلمة الإدمان مرتبطة بإدمان الشخص بالممنوعات التي تذهب العقل كالكحول والمخدرات التي حرمتها الشريعة الإسلامية، أما اليوم وبنسق الحياة التقنية المتسارعة نجد أن التكنولوجيا الرقميّة أصبحت موضوعاً لإدمان الإنسان المعاصر، ويأخذنا الحديث هنا عن قضية تكنولوجية ذاع صداها في مجتمعنا الحالي وهي " الإدمان الرقمي".
الإدمان الرقمي بات مرضاً يقلق المجتمعات بأعراضه ومشكلاته التي تسرق منهم الأفراد وخاصةً الفئة الشبابية دون التفطن إليهم.
نطرح هنا عدة تساؤلات: كيف للتقنيات أن تسبب الإدمان؟ هل الإدمان الرقمي حالة مؤقتة أو دائمة؟ وكيف يتم معالجة المدمن الرقمي؟
يعرف الإدمان الرقمي على أنه شكل من أشكال إساءة استخدام التقنيات وهو حالة إفراط في استعمال شبكة الإنترنت، و قد يؤدي الإدمان الرقمي إلى اضطرابات في سلوك مستعملي الأجهزة، وهذه الظاهرة منتشرةً في أكثر المجتمعات بسبب توفر الهواتف المحمولة والحواسيب وغيرها من الأجهزة الموصولة بالشبكة.
ربما يرجع هذا الإدمان لعدة أسباب منها " الملل، الفراغ، الوحدة، المغريات التي توفرها الإنترنت للفرد كل حسب ميوله.
وتجدر الإشارة إلى إن الإدمان على استخدام الإلكترونيات لدى الأطفال له مفعول الهيروين، أو الكوكايين، خصوصاً عندما يُمنح الشخص هذه الأجهزة في سن مبكرة، واليوم أستعرض لكم لمحة عن هذه القضية، من منكم لم يعتد ابنه اللعب على الجهاز أو على فتح اليوتيوب قصد مشاهدة فيلم كرتوني أو الاستماع إلى الأناشيد وغيرها من الأفعال، هذا الاعتياد المستمر يتحول تدريجياً إلى عادة سيئة ليصبح في الأخير إدمان على الأجهزة وبرامجها اللامتناهية، هذا الإدمان الرقمي يدفع بالشخص إلى بناء عالمه الافتراضي الخاص، وفيه يشعر بالنشوة والارتياح ويثبت فيه وجوده من خلال خياله وينعزل عن العالم الخارجي ومحيطه الحقيقي.
ولا يفوتنا أن ننوه إلى إن المدمن الرقمي قد يشعر أحياناً بحاجة إلى الخضوع لأساليب علاجية ذات طابع رقمي، فمن هنا علينا الإدراك بأنه مصاب بالإدمان الرقمي، ومن أعراض ذَلِك هو عدم مفارقة المستخدم لجهازه، والشعور بشيء من الضيق والقلق في حالة فقدانه أو انتهاء شاحن الجهاز، أو ضعف الشبكة، أو فقدان حسابه لموقع التواصل الإجتماعي كما نجد أن مدمن الإنترنت يهمل واجباته الإجتماعية والأسرية وحتى الوظيفية بسبب استعماله المفرط لها، ومن أعراض هذه الحالة الإدمانية أيضاً النهوض من النوم بشكل مفاجئ والرغبة بفتح البريد الإلكتروني أو رؤية قائمة المتصلين على تطبيقات التواصل الاجتماعي.
إن عدم القدرة على شغل وقت الفراغ بهوايات متنوعة وإقامة علاقات إجتماعية جيدة يسبب الخجل أو الانطواء لأن كثرة الاستهلاك الإلكتروني يجعل من الإنسان شخصاً إنطوائيا غير مدرك لحقيقة الأوضاع التي تدور حوّله.
والجدير بالذكر أن المدمن الرقمي يقضي الساعات في استخدام التقنيات مما يؤثر على صحته، إذ يجب ألّا يتعدى معدل استعمال الإنترنت ثمانية وثلاثون ساعة في الأسبوع لذلك كل من يتعدى هذا القياس يسمى مدمن إلكتروني ليس بصفة مطلقة لكن عليه أخذ الحذر من الانزلاق في هاوية الإدمان الرقمي، لأن هذا الإدمان يقوده إلى اضطراب في أوقات النوم فتجد الشخص المدمن كثيراً ما يعاني من حالات الأرق، وأيضاً اضطرابات في مواعيد الأكل، فنجد لدى الشخص المدمن أيضا عدم موازنة في الوجبات اليومية مما قد يسبب له البدانة أو حالة عكسية تماما النحافة وهزال الجسم.
وأكثر المواقع التي يستهلكها مدمن الشبكات في الغالب هي مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتويتر وبرامج المحادثات كالواتساب والفايبر والماسنجر والياهو والسكايب أو تجده منغمساً في المواقع الترفيهية مثل الألعاب ومنتديات الإنترنت أو المواقع السياسية والإخبارية أو أنه يبحث في المواقع الإباحية وهذا أخطر نوع لأن هذا الأخير يقوده إلى الشذوذ الجنسي والانحلال الأخلاقي.
وهنا علينا الالتفات إلى الحالة الاجتماعية لمدمن التقنيات ومحاولة التقرب إليه لمساعدته على حل مشكلته المرضيّة تجاه الإنترنت لأن استعماله المفرط لها ناتج عن حالة نفسية يعيشها، لذلك يمكن أن نقر أن الإدمان الإلكتروني هو حالة مرضية مؤقتة يمكن تداركها لذا يجب علينا أولاً التقرب من المدمن ومحاولة الحديث معه في الجوانب الخاصة به ومحاولة تفهم نفسيته حتى يتسنى لنا التقليل من هذه الحالة ومعالجتها بطرق دقيقة وسليمة، ومن بين الطرق العلاجية التي يجب اتباعها خطوة بخطوة مراقبة أبنائنا وحتى أنفسنا وذلك من خلال تحديد ساعاتٍ معيّنةٍ لاستخدام الإنترنت حيث يجب علينا تحديد مدة زمنية معينة لقضائها مع الأجهزة الإلكترونية على أن لا تتعدى هذه المدة المعدل الطبيعي للشخص العادي، أما في الحالات الحرجة والتي نجد فيها صعوبة لمساعدة المدمن الرقمي لا مانع من البحث عن مساعدة خارجية من أشخاصٍ ذوي خِبرة في هذا المجال وذلك قبل تفاقم الوضع وتدهور المشكلة بشكلٍ أكبر لأن تجاهل الوضع يزيد من حدته.
لطالما كان الإنترنت متطلباً أساسياً لغالبيّة الفئات المجتمعية من صغار وشباب وكبار وخصوصاً لطلّاب العلم منهم والموظفين، وإنّ غياب الإنترنت من شأنه أن يُخل بمنهجية الحياة المعاصرة ويعرقل سيرورة الزمن ومن هنا كان علينا أن نتعامل مع هذا العالم الافتراضي بكل عقلانية وحذر حتى لا يسرق منا أوقاتنا العائلية ومحيطنا الخارجي كما يجب علينا مراعاة أسلوب حياة شبابنا المراهق بالحكمة والنصيحة حتى لا ينقاد وراء التكنولوجيا دون وعي وإدراك لسلبياتها.
كما يجب علينا أخذ الحيطة والحذر تجاه أطفالنا وعدم ترّكهم منغمسين في عالم الحياة الرقميّة بدون مراقبة وتخصيص وقت محدد لاستعمالها لأن كثرة الجلوس صحبة التكنولوجيا من شأنه أن يصيب أبناءنا الصغار بعدة أمراض جسديّة ونفسية.
التعليقات