مما لا شك فيه أن الثورة التكنولوجية كسرت الحدود الجغرافية وقربت المسافات بين أرجاء العالم، وأصبح للمستخدم حرية النشر والتعبير إلكترونيًا في مختلف المواقع، وأكثرها انتشاراً مواقع التواصل الاجتماعي، التي قربت المجتمعات في بقاع الأرض بمختلف ثقافاتهم ولغاتهم.
لذا فإن قنوات التواصل الاجتماعي تحمل الكثير من الخصائص، ما يجعلها في خدمة دولة المؤسسات الحديثة من أجل تحقيق التنمية، والمساهمة في خلق ثقافة التربية، وبناء السلم الاجتماعي، وإحداث تغييرات في النظام الاجتماعي والثقافي والبنية الاقتصادية، وتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين، والتفاعل معهم ومعرفة تطلعاتهم وملاحظاتهم، لكن بات من الواضح والمؤسف انتشار الشائعات بصورة واسعة في مجتمعاتنا؛ لأن كل شيء يدور في عالم افتراضي يتم التعامل معه على أنه معلومة بغض النظر عن صحتها أو دقة مصدرها. قديماً كانت الشائعات تنطلق من مجالس البيوت والمقاهي والمجالس العامة، وتأخذ فترات طويلة حتى تنتقل عبر الاتصال المباشر من فم المرسل إلى أذن المتلقي، أما اليوم في عصر التكنولوجيا وتوفر وسائل الاتصالات الحديثة فإن الإشاعة قد تصل إلى كافة أرجاء الكرة الأرضية في غضون دقائق، حسب درجة الإثارة في الإشاعة.
وعلى الرغم من الخصائص الجيدة التي تتسم بها مواقع التواصل الاجتماعي، ووجود الكم الهائل من المستخدمين، لكنها استُخدمت أيضًا لغرض زرع الفتن ونشر الشائعات بين الدول التي تربطها علاقات أخوية وتاريخية منذ القِدَم، فظهر مصطلح "الذباب الإلكتروني" الذي يقوم بجمع عدد هائل من الحسابات ويسخرهم تحت مظلته، وتكون وظيفتهم إعادة نشر آراء محددة في العالم الافتراضي لتصبح كأنها رأي عام للمستخدمين، وهذا من شأنه نشوب الخلافات بين الدول، فحرب التغريدات جنودها مجهولون وأسلحتها الحواسيب وساحاتها منصات التواصل الاجتماعي، وهناك من يروجون للشائعات ويختلقون أخبارا زائفة من أجل زعزعة الأمن والسلام الاجتماعي بين الدول، وذلك باستغلالهم وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق مصالحهم الشخصية، ومن المؤسف جدًا أن المتلقي لهذه الشائعات لا يتحقق مَن مصداقية الأخبار، فتنقلب هذه الشائعات إلى حقيقة.
لذا سعت الدول العربية إلى الحد من نشر الفتن والشائعات، وذلك بمراقبة منصات التواصل وسن قوانين صارمة بحق أي شخص أو جماعة تبيّن نشرها لمعلومات كاذبة تمس أمن الدولة، أو أي معلومة خاطئة من شأنها زرع الفتنة بين الأفراد على اختلاف جنسياتهم أو انتماءاتهم الدينية، والتوعية بخطورة الاستخدام المسيء لمواقع التواصل، والتأكد من صحة الأخبار ومصدرها قبل نشرها، وعدم التسرع في إعادة نشر الرسائل الإخبارية التي تمس سياسة الدولة والأمور الدينية والعِرقية، ووضع قوانين وعقوبات صارمة، والتمسك بأعرافنا الدينية والعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم للحد من فتنة الشائعات؛ فالإسلام اعتبر الشائعات ظواهر سالبة تؤدي إلى الفتن والدمار، ونهى عن إطلاقها أو تلقيها بنصوص قطعية، ووضع جملة من الضوابط الأخلاقية والقانونية التي تحد من تفشيها في المجتمع، وأخيرًا أقول: لتكن مصادر التكنولوجيا ووسائلها مصدرًا للثقافة والإبداع وليس للدمار والتخريب.
التعليقات