تسعى الدول العربية دائمًا إلى مواكبة التسارع المعرفي في العالم، ولها نصيبها من ثورة الاتصالات الرقمية والتقدم التكنولوجي، وما أحدثته من سرعة في عمليات التواصل والوصول إلى المعلومات، من خلال الشبكات العالمية للإنترنت والمتمثلة أيضًا في مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت في متناول الجميع، من خلال شيوع استخدام أجهزة الهواتف الذكية واللوحية وغيرها.
ونتيجة لذلك برز مفهوم المواطن الرقمي، وهو شخص لديه وعي ومعرفة بالتكنولوجيا، وقدرة على تحويل تلك المعرفة إلى سلوكيات وعادات وأفعال، يمكن من خلالها التعامل بشكل لائق مع التكنولوجيا نفسها أو مع الأشخاص الآخرين بواسطة التكنولوجيا (الملاح وتامر، 2017، 32).
كما حرصت الدول المتقدمة مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على إعداد المواطن الرقمي من خلال إطلاق المبادرات، وتضمين المواطنة الرقمية في مناهجها Cayir,2011, 22-30)).
ورغم الإيجابيات الكثيرة التي تستفاد من استخدام هذه التكنولوجيا، فمما لا شك فيه بأن لها آثارها السلبية التي برزت في التمرد على القواعد والضوابط الأخلاقية والقانونية والمبادئ الأساسية التي تنظم الحياة اليومية.
لذا ظهرت المواطنة الرقمية على أنها مجموعة القواعد والضوابط والمعايير والمبادئ المتوخاة في الاستخدام الأمثل والسليم للتكنولوجيا، والتي يحتاجها المواطن بجميع فئاته العمرية والعلمية من أجل الرقي بالوطن، وهي بلا شك تعكس صورة المواطن وأخلاقه ومدى التزامه بالقانون.
سعت الدول العربية في إطار هذا التقدم المتسارع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى إرساء ضوابط ولوائح مشرعة ومبنية على القانون؛ لتنظيم استثمار هذه التكنولوجيا على الوجه الصحيح.
ويمكن اعتبار المواطنة الرقمية وفق هذا الأساس أنها بمثابة توجيه نحو منافع التقنيات الحديثة، وحماية من أخطارها، وبالتالي يمكن أن يقال بأن المواطنة الرقمية هي التعامل الحكيم مع التكنولوجيا الحديثة.
في هذا السياق سعت بلادنا العربية إلى إرشاد وتوجيه المواطن إلى حسن استعمال التقنية بالتحكم والمراقبة، لا لغاية الاستبداد وقمع الحريات، بل لتنظيم الحياة الرقمية والتكنولوجية للمواطن، فقد بَنَتَ الدول العربية مبادئ مراقبتها لهذا العالم التكنولوجي بإيجاد الطرق الصحيحة لتوجيه وحماية جميع المستخدمين، خصوصًا الأطفال والمراهقين، بضوابط لا تتنافى مع قيم الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، فجاءت ضوابطها مبنية على قواعد احترام الثقافات والمجتمعات في البيئة الافتراضية، والمحافظة على المعلومات الشخصية، وحماية المواطن من المعتقدات الفاسدة التي تنتشر عبر المواقع، والالتزام بالأمانة الفكرية، وإدارة الوقت الذي يقضى في استخدام التكنولوجيا، إذ أن هناك حاجة إلى سياسة وقائية ضد أخطار التكنولوجيا من جهة، وتحفيزية للاستفادة المثلى من إيجابياتها من جهة أخرى، والتي ينبثق منها ضرورة توعية أبنائنا بمجموعة من الحقوق التي ينبغي أن يتمتعوا بها ويستفيدوا منها وهم يتعاملون مع تلك التكنولوجيا.
وكذلك يأتي دور المؤسسات التعليمية سواء على المستوى المدرسي أو الجامعي بضرورة التوعية حول الاستخدام الأمثل لهذه التقنية، وتجنب إساءة استخدامها، وإقامة المحاضرات والبرامج التدريبية، وكذلك مراعاة تضمين قيم المواطنة الرقمية وأبعادها عند تصميم المناهج التعليمية؛ وذلك لأن الطلبة من أكثر الفئات العمرية التي تحتاج إلى أن تغرس فيهم معنى المواطنة الرقمية وقيمها المختلفة.
التعليقات