المجتمعات العربية مازالت حتى تاريخ نشر هذا المقال تنظر باحتقار ودونية إلى المرأة بشكل عام، وبالذات المرأة ذات الوضع الخاص كالمطلقة، أو حتى المخطوبة المنفصلة. وأول ما يخطر في البال: الله أعلم ماذا فعلت حتى استحقت طلاقها! وننسى أنه مقابل كل امرأة مطلقة يوجد رجل مطلِّق أو مطلَّق.
والأدهى والأمر تلك الجرائم الكثيرة المتنوعة في حق النساء من مختلف الأعمار التي أصبح الآن يتم توثيقها بالصوت والصورة كما حدث في الجريمة المعروفة باسم "جريمة فتاة الحسكة"، التي وقعت منذ بضعة شهور. فقد أقدم والد المغدورة وأخوها وعدد من رجال عشيرتها على جرها مقيدة إلى بيت مهجور في بادية الحسكة السورية حيث أردوها قتلاً بالرصاص أمام أعين عشرات الرجال الشاهدين على الجريمة مع تولي أحدهم مهمة تصوير الجريمة كاملة من الألف إلى الياء.
وقد أورد موقع DW الألماني العربي أن عدد جرائم الشرف يبلغ حوالي 5000 جريمة سنوياً، معظمهن نساء تحت سن ال25 عاماً، وأن هذا النوع من الجريمة يكثر خاصة في سوريا والأردن والعراق والباكستان واليمن. وذكر المصدر كذلك أن هذه الجرائم لا تحدث بداعي غسل العار فعلاً بقدر ما يكون بسبب النظرة الدونية للمرأة وذريعة لتسوية الحسابات بين العشائر.
وهذه العبارة الأخيرة بالتحديد تنحدر من تاريخ طويل وقف شاهداً على "تشييء" المرأة منذ تحول الأنظمة المجتمعية الأولى من "النظام الأمومي" إلى "النظام الأبوي" في عصور ما قبل الميلاد، وما رافق ذلك من اعتبارها "مورداً" قابلاً للامتلاك مثل الأرض والماشية- أعزكم الله!
ومما زاد في الطين بلة موقف بعض الأديان من المرأة، واعتبارها السبب في خروج أبينا آدم من الجنة ونزول الإنسان إلى الأرض ومعاناته جراء ذلك. فجرت هذه الأفكار على النساء وبالاً مازال يتردد صداه في مجتمعاتنا حتى يومنا هذا بعدما ترسخ وضرب جذوره العميقة في "الوعي الجمعي".
وبعد هذه المقدمة الأليمة، لم يعد عجيباً إذن أن تصاب الكثيرات من النساء بـ"عقدة من الرجل"، فتراهن يرفضن الزواج أو العمل في مكان به رجال، أو التسوق من مكان يديره رجل.
وإليك هذه المعلومة الطريفة: على الرغم من أن الرجل تفنن في اضطهاد المرأة وتعذيبها على مر العصور كما هو موثق في الدراسات التاريخية وعلوم الإنسان، إلا أن مصطلح "كره الرجال" ("misandry" كلمة مشتقة من اللغة اليونانية: misos كره وAndros رجل) لم يظهر في المعاجم إلا في منتصف القرن العشرين- أي أنه حديث نسبياً، في حين أن مصطلح كره النساء "Misogyny" ظهر منذ مئات السنين قبل الميلاد! كما تجدر الإشارة إلى أن عالم الانثربولوجيا (علوم الإنسان) المعروف ديفيد غيلمور يقول أن مصطلحاً جديداً مثل "كراهية الرجال" لا يشير إلى كراهية الرجال لكونهم رجال، بل للدور التقليدي الذي مارسه الرجال عبر التاريخ وللثقافة الذكورية.
لكن كيف تنشأ العقد النفسية أساساً؟ يقول علم النفس أن العقدة أو المركَّب (complex) عبارة عن "فكرة أو مجموعة من الأفكار المركبة والمترابطة تسري فيها شحنة عاطفية، وقد تعرضت للكبت الكلي أو الجزئي فغدت مصدراً للتنازع والتصارع مع أفكار ومجموعات أخرى تحظى بالقبول تقريبا من جانب المرء... وقد تكون ظروف نشأة العقدة منسية نسياناً تاماً أو جزئياً، والشئ المؤكد هو أن الفرد يتعرض لنسيان تلك التفاصيل المهمة المحيطة بنشأة العقدة"- ويكيبيديا.
و بشكل عام، العقد النفسية متنوعة جداً (عقدة من الأطباء، عقدة من النار، عقدة من أماكن الزحام، عقدة من المرتفعات، عقدة من البوليس). وهي ليست حكراً على المرأة، بل تصيب الرجال أيضاً، لذلك لا بأس من التعميم بالقول أنه مقابل كل إنسان معقَّد يوجد إنسان أو ظرف مسبب للعقدة (معقِّد).
وبالعودة إلى الموضوع الرئيس، يتساءل البعض هل "العقدة من الرجل" مرض نفسي حقيقي أم دلع بنات؟ في الحقيقة يشير علماء النفس إلى وجود اضطراب نفسي خطير يعرف باسم "رهاب الذكور" (بالمناسبة يعاني بعض الرجال كذلك من "رهاب النساء").
ومن أعراضه، الشعور بالهلع والتوتر عند رؤية رجل أو مجرد التفكير في الرجال، وعدم القدرة على أداء الأعمال والمهام المنوطة بالمرأة في وجود الرجل، إلى جانب الأعراض الجسدية مثل تسارع ضربات القلب ووتيرة التنفس والتعرق.
ويتم التشافي من هذا النوع من الرهاب من خلال المعالجة النفسية، والعلاج المعرفي السلوكي، وطبعاً من خلال جلسات البرمجة اللغوية العصبية التحويلية حيث يتم التوصل إلى الموقف الذي تشكلت فيه العقدة وتحولت إلى برمجة تعمل لاشعورياً، ثم يعمل المبرمج على تغيير هذه البرمجة من خلال استراتيجيات وتقنيات معينة.
ويجدر القول هنا أن العقد النفسية على الرغم من ظاهرها المزعج، الذي قد يقيد الإنسان ويمنعه من عيش حياة جيدة، لكن في الصميم هي آلية وضعها فينا الخالق سبحانه لكي تحمينا من مزيد من الأذى. وبالتالي، عندما ندرك هذه الحقيقة قد نتوقف عن اتهام الأشخاص المصابين بالعقد النفسية بالجنون أو أنهم غير أسوياء نفسياً، بل الأجدر أن نساعدهم على إدراك ما يعانون منه وأن العلاج موجود ومتوفر.
ختاماً، في حين يقول أرسطو أن المرأة هي رجل مشوه، لأن أسنانها أقل من أسنان الرجل، يأتي الرد الجميل الذي هو من أروع ما كتب في هذا الموضوع بقلم الصحفية حنان اليوسفي على موقع الجزيرة.نت: "التقليل الحاصل في حق المرأة وكونها درجة ثانية بجوار الرجل هو أمر يندى له جبين الدين والمنطق والحياة!، أمر لا يصدر إلا من ألسن لم تدرك بعد مغزى هذا التقسيم ووجوده، فتقسيمنا إلى جنسين لم يأتي ليبعث على المقارنة، لم يأتي ليرفع من شأن هذا ويحط من شأن الآخر؛ وإنما أتى ليقر التكامل ويرشدنا إليه، كعنصري كيمياء أكسجين وذرتي هيدروجين لا وقت للمقارنة بينهما ولا مسوغ وإنما الوقت لاتحادهما لينتجا لنا الماء، فليتنا نعي!
لبنى عامر
استشاري البرمجة اللغوية العصبية
التعليقات