كم مرة سمعت عبارة "الطفل مثل الصفحة البيضاء، يمكنك أن تكتب عليها ما تشاء"؟
في الحقيقة، الموضوع أعقد من ذلك بكثير من حيث ما أسميه "برمجة الإنسان".
إذا نظرت الى مستند "وورد" على الحاسوب، سترى أمامك صفحة بيضاء نعم؛ قد تبدو لك بسيطة لكن وراء هذه الصفحة عدد كبير ومدهش من البرمجيات المتقدمة والمعقدة التي تظهر للمستخدم على شكل أوامر، مثل لون الخط وحجمه وإدخال روابط على النص... الخ.
فعندما يكتب المستخدم نصاً على مستند الوورد، فإنه يستعين بالبرمجيات المعدة سلفاً حتى يخرج هذا النص كما يريد له أن يظهر.
وهذا ما يفعله الأهل مع أطفالهم يومياً، وعلى مدار الساعة.
فهذا الطفل الوليد، أنت تظن أنه فقط يحتاج أن يأكل وينام ويكون نظيفاً..
لكن تفاعلك مع احتياجات هذا الطفل، ترحيبك بوجوده معك في الحياة، مشاعرك تجاهه، الكلمات التي تقولها-أو لا تقولها- له، طريقتك في التفاعل مع الحياة التي تمارسها في حضوره.
كل ذلك هو برمجة للطفل.. وهي تتم لا شعورياً.
ولا ننسى أن دماغ الإنسان يتطور مرحلياً، وقدرته على استيعاب ما يختبره ويراه ويسمعه ويشعر به تختلف مرحلياً كذلك..
الإنسان مخلوق معقد.. ولكنه قابل للبرمجة. نعم، لا تستغرب ذلك فكل مافي الكون مبرمج سلفاً بقدرة الخالق سبحانه وبدقة إعجازية مذهلة.
فكما بذرة التفاح مبرمجة على أن تنمو إلى شجرة تفاح متكاملة، فكذلك خلايا العين مثلاً تعرف لوحدها أنها ستتجمع وتتركب وفق برمجة معينة ودقيقة للغاية تجعل منها "العين".
ولكن بما أن الإنسان كما أسلفت مخلوق معقد، فبالإضافة إلى برمجته المعدة سلفاً ربانياً (كما يحدث عندما تسحب يدك بسرعة خاطفة وبدون تفكير إذا لمست سطحاً ساخناً)، فما يزال هناك مجال لـ"تنصيب" برمجيات جديدةـ وحتى لإعادة البرمجة. والأعجب أن هذه العملية تبدأ منذ أن يكون الجنين في بطن أمه!
غير أن هذه البرمجيات الطارئة، التي تحدث خاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، تسكن في عالم اللاوعي. وبحسب دراسات عديدة، يشكل العقل الواعي حوالي 12% من عقل الإنسان الكلي بينما يشكل العقل الباطن 88% منه.
وهكذا يمكنك أن تقدّر لماذا تجد صعوبة في تبني عادات صحية جديدة مثلاً، أو في التخلي عن سلوكيات تضر حياتك المهنية أو العاطفية، أو في صرف أفكار معينة تعيق وصولك إلى حياة أفضل.
وما يعجبني في عالم البرمجة اللغوية العصبية التحويلية Transformational NLP هو أننا قادرون من خلال تقنيات معينة رائعة على جلب ما يحدث في عالم اللاوعي إلى عالم الوعي، حتى يتمكن الشخص من إدراك سبب ما يحدث معه من عرقلات ومعاكسات وتدمير ذاتي، ثم نتكفل بتغيير برمجته التي لم تعد مفيدة، ونستبدلها بأخرى مفيدة تخدم مصالحه في هذه الحياة وتساعده على الحصول على أكثر مما يريد وأقل مما لا يريد..
فهل أجمل من السعي نحو الأهداف بلا معرقلات؟
هل هناك ماهو أروع من السهولة والسلاسة واليسر؟
فإن كنت تريد أن تختبر هذه الرحلة المشوقة بنفسك، فعليك أن تبادر بإرادتك الحرة لمساعدة نفسك؛ حتى تكسب أيام عمرك الثمينة بدلاً من تضييعها في دائرة مغلقة من الهموم والأحزان التي برمجك عليها الآخرون.
التعليقات