تنبع الحكمة أحيانا من أفواه جاعت وحرمت ملذات الحياة الاساسية ، وكأن القدر ضن عليها بما جادت به لأناس أخرون غيرمكترة بما تسبب تلك الفوارق من عبث الافكار التي تقلب أقدارا فوق أقدار.
يحمل عنوان الرواية "صاحب الظل الطويل" الكثير من الغموض والسريّة وعدم الوضوح بشكل عام ، حيث يتوافق ذلك مع الإطار العام الذي توصف به الرواية، فقد اقتصر عنوانها على ذكر صفة مبهمة للشخصية المقابلة للشخصية الرئيسية، وهي صفة الطول، مع إلصاقها بـ "الظل" في إشارة إلى أنّها شخصية مجهولة غير معلومة، وكان حضورها من بين السطور، ورغم أن المجهول القادم من الحياة قد يرسم طريقا لامحالة أن نسير فيه ، فقد أستطاعت الكاتبة أن تسرد رؤية واضحة لشخص قادم من مكان غير معروف ليرسم طريقا محددا واضح المعالم ومحدد الاتجاه لشخصية يتيمة تدعى ( جودي ابوت) وإسمها الحقيقي جيروشا – الشخصية الرئيسية للرواية.
الفلسفة الظاهرة فى ثنايا الرواية تعبر عن الكثير من معاني الحياه التي نحياها ، أبتداء من القضية الشائكة - هل نحن مسيرون أم مخيرون وانتهاء بإشكالية أن استمرار السعي لايعد بحتمية الوصول للمكان الموعود ، فهناك تريب قدري محكم يعمل في إعجاز محكم يعجز عن فهمه القاصي والداني .
تروي الكاتبة في هذه الرواية قصة جودي أبوت واسمها الحقيقي جيروشا لكنها لم تكن تحب هذا الاسم – وهذا مغزى آخر لبدايات الرواية - فقررت أن تطلق على نفسها اسم جودي، وهي بنت يتيمة عاشت في الميتم بعد أن فقدت والديها في سنّ صغيرة، فنشأت وترعرت فيه فطفى عليها كآبة المكان وصمت جدرانه ، وكانت تقوم بالعديد من المهام الشاقة هناك في هذا المكان الذي لم تكن تحبه ، ولكونها الأكبر سنًا بين أيتام المكان ،فقد كان يسند اليها بعض المهام الاضافية الشاقة التى يصعب على زميلاتها الاخرون القيام بها ، وقد عرفت جودي بأنها فتاة مرحة وشغوفة ولديها مهارة الكتابة الإبداعية، وفي يوم من الأيام استدعتها مديرة الملجأ لتخبرها بأنّ شخصًا ثريًا قرأ كتاباتها وقرر إرسالها إلى الجامعة متكفلًا بجميع مصاريفها الدراسية والشخصية، بشرط أن تبعث له في كل شهر رسالة تخبره عن كل ما يحدث معها دون أن تنتظر منه ردًا.
لم تكن جودي تعرف أية معلومة عن ذلك الشخص المتبرع، ولم تستطع رؤيته أو التعرف على ملامح وجهه سوى من الخلف وهو خارج من الملجأ، وقد كان طويلًا، فقررت أن تطلق عليه لقب "صاحب الظل الطويل"، فلم تكن تعرف من شكله شيئًا إلا ظلّه.
تتفوق جودي آبوت في جامعتها وتصقل مهارة الكتابة والتعبير لديها، وتستمر بإخبار صاحب الظل الطويل بجميع تفاصيل حياته دون أن تعلم عنه شيئا ا، كما تحكي له عن صديقاتها، وفي العطلة الصيفية تذهب جودي مع صديقتها جوليا إلى مزرعتها الريفية لقضاء وقت عائلي، وتلتقي بعمّ جوليا السيد جيرفس وتدور بينهما نقاشات عديدة لمعرفة طريقة تفكيرها.
تستمر اللقاءات بين جودي أبوت وجيرفس بندلتون، وتنشأ بينهما مشاعر الإعجاب والحبّ، فيعرض جيرفس على جودي الزواج التي توافق على ذلك العرض بعد تردد، وتكتشف في النهاية أنّ جيرفس بندلتون هو نفسه صاحب الظل الطويل.
فلسفة أخرى بين طيات الرواية تحمل أسئلة عديدة يصعب الاجابة عليها ، هل يمكننا أن نفصل بين الواقع والحلم بمجرد تخيله أمامنا كما رسمناه في أذهاننا؟، وهل يجب علينا أن نتوخى الحظر فى تخيلنا لاحلامنا لاننا قد نراها كما هي فى الواقع بكل حذافيرها ، فنرفضها بشدة لعدم قدرتنا على التكيف مع احداث الواقع الذي تمنيناه يوما ؟ واذا كان الوضع كذلك فهل يجب علينا ان لانحلم ونترك الحياة تجري بأقدارها التي تسبقنا وتفرض أحداثها علينا بكل ماتحمله من سعادة أو حزن؟
الروايه رسائلية لكل رسالة معنى ولكل فكره من أفكارها هدف تسعى اليه ، فهل تذهب الى قدرك بخطى قدمك ، أم تترك قدمك ترسم حلمك.
التعليقات