للكاتب: مارسيل بروست
لا تتخيل عزيزي القارئ أن رواية هذا المقال قابلة للقراءة من قريب أو بعيد، فعدد صفحاتها يتجاوز الاربعة الالاف صفحة مسطورة فى سبع مجلدات بعدد مليون ونصف كلمة وحوالى الفين من الشخصيات مابين شخصية أساسية ومحورية أو ثانوية، فهى ناتج عن حوار مع العقل باسترجاع ذكريات وأمسيات الطفولة البائسة والمنعمة فى نفس ذات الوقت، وعن طريق ممارسة عملية البوح المستمرة اخرج للعالم أجمع ملحمة روائية مدهشة تجيب على سؤال "من أنا؟".
ظهرت الملحمة الروائية على عدة أجزاء كانت بدايتها مع الجزء الاول الذي أسماه المؤلف " غرام سوان " حيث قام بنشره على نفقته الخاصة بعد رفض دور النشر لأخذ زمام المبادرة فى الاعتراف بأهمية الرواية ، ويكفى القول بأن أندريه جيد الذي كان يرأس لجنة القراءة لدار النشر المعروفة آنذاك " غاليمار" قد أوصى بعدم نشرها لعدم فهمها ولصعوبتها أمام القارئ العادي.
الغريب فى الامر أن الكاتب اندريه جيد عاد مرة أخرى واعتذر بشديد الاسف عن مقولته السابقة وقدم اعتذارا واضحا لكاتبها قائلا " ان معنى رواية مارسيل بروست ليس ذاتيا نحضا تبعا لذوق كل فرد ، فالمؤلف يدفعك منذ البداية الى سؤال الاسئلة وليس فقط الاسئلة الواضحة أو التى لافرار منها " فالروايه عبارة عن أستفسارات وتساؤلات لم يسلم العقل البشري منها منذ تكوينه الطفولى باسئلته البديهية التي تبدو ساذجة الى الاسئلة التى يصعب الاجابة عليها ونهاية بالاسئلة التى نخشى الاجابة عليها.
فى رواية البحث عن الزمن المفقود يحاول بروست تذكر أيام طفولته مع أمه حينما كانت ترفض أن تصعد الى غرفته لتطبع عليها قبلة على جبينه قبل أن ينام ، أراد أن ينتشل الايام الماضية من هوة النسيان وأن يعيد اليها الحضور مرةأخرى ، فأيام الطفولة بالنسبة لبروست أيام خالدة لايجب أن تنسى ، وإن حدث ذلك مع مرور الايام فيجب التقاط هذه اللحظات وتدوينها ، لان كل خيط فيها بمثابة سلسلة طويلة من الاحداث والمواقف التى تشرح وتدلل على شخصية الانسان الذي تكونت مراحلة الاولى فى هذه الفترة المنسية .
على غرار ذلك ، هل جربت عزيزى القارئ بالمرور على أماكن أو مشاهد الطفولة التي عاصرتها أثناء طفولتك ، بأن تذهب مثلا الى المدرسة التى نشأت بها أو بالمنزل الذي تربيت فيه ، ستشاهد دون أدنى مقاومة منك شريط ذكريات سحيق يعود بك الى أحداث تستطيع محو نسيانها كلما تأملت المكان أو الزمان الذى عاصرته .
هذه النشوة المنسية تتجدد بداخلك كلما حاولت تذكرها وستعيد ذكرياتك الى أقوال وأفعال ومشاهد لم تتخيل أنها صادرة منك ، لتؤكد وتجيب على السؤال الازلى : من أكون أنا ؟
ينظر الكاتب جان كوكتو الى المدفأة التى تراكمت عليها أوراق البحث عن الزمن المفقود ليرثي صاحبها قائلا " كان يسبق عصره للاسف ولم نعرف مكانه وقدره أثناء حياته تماما مثلما كان الوضع مع الكاتب ستندال "
يبرع مارسيل بروست فى رسم شخصيات الرواية لانها مستقاة من الواقع مع اناس عاشرهم وعرفهم تمام المعرفة وفى كل مرة يحاولون اسقاط الشخصيات الروائية على شخصيات عاشت معه بالفعل ، وكان هذا مايزعجه لانه ارتضى ان تكون هذه الشخصيات فى مكانها الاصلى بالروايه رغم أنها شخصيات عاش معها ، وان دل ذلك على شيئ فهو يدل على أنه بداخل كل منا روايته الخاصه حول عالمه الخاص وقد تكون قابلة للنشر من عدمه وهذا يرجع اليك عزيزى القارئ.
التعليقات