على شاطئ جزيرة كريت اليونانية، ولد نيكوس في فبراير عام 1883 ميلادية وعاش كما عاش أبطال روايته العظيمة، فلم يترك أرضا الا وزارها وعاش فيها وقتا من الزمن، ولم يصادف فرصة الا واغتنمها، وبعد أن تلقى تعليمه الاولي فى تلك الجزيرة حصل على شهادة عليا فى القانون من جامعة أثينا، ثم سافر بعد ذلك الى باريس عاصمة النور لدراسة الفلسفة على أصولها، وتتلمذ على يد الفيلسوف هنرى برجسون الذي اثر فيه تأثيرا كبيرا ولوحظ ذلك بشدة فى روايته الفلسفية زوربا.
عشق الفلسقة بشكل خيالي لدرجة جعلته يقضى عامين كاملين من حياته في دير للرهبان للتأمل والخلوة، حيث عاش تجربة روحية قاسية، وبعد ذلك تم تعيينه وزيرا للتعليم فى اليونان لكنه سرعان ما اعتزل العمل الوظيفى تماما ليتفرغ للكتابه بشكل حصري، وكان ذلك القرار نتيجة العزلة التي أختارها لنفسه فى ذلك الدير البعيد .
يستقر فى فرنسا بعد ذلك وينتقل بينها وبين ألمانيا حيث يموت باحد مستشفيات برلين، وكان قد أصدر فى اخر أيام حياته كتابين عن أهم أساتذته برجسون ونيتشه .
يؤكد الكاتب نيكوس فى روايته أن زوربا شخص حقيقي من لحم ودم، رجل كهل عجوز شارف السبعين من عمره يعيش فى احدى قرى جزيرة كريت كما يؤكد نيكوس أنه أحب هذه الشخصية التي كتب عنها وأثر فيه تأثيرا كبيرا لنراه يكتب فى مقدمة الرواية " ترك زوربا أثرا عميقا فى نفسى ولو كان بمقدورى أن يختار هذه الحياة مرشدا هاديا روحيا لاختار بلا أدنى تردد زوربــــــــــا.
تدور أحداث الرواية بين شخصيتيتن محوريتين، باسيل الشاب الذي أمضى حياته فى قراءة الشعر والفلسفة والاعجاب بالشاعر الايطالي دانتي، والكسيس زوربا ذلك الكهل العجوز الذي يبحث عن فرصة عمل فى أحد المناجم التى يمتلكها الشاب، حيث يصف زوربا نفسه بانه خبير فى أعمال المحاجر والمناجم ويريد عملا، فيعحب به باسيل ويأخذه معه الى تلك الجزيرة النائية بكريت على متن سفينه تبحر الى هذا العالم المجهول.
نتعرف فى الرواية على وجهة نظر باسيل الشاب فى ذلك الكهل العجوز، فلم يذهب الى مدرسة ولم يتلقى تعليمه فى أي مراحل الدراسه من مكانها المعهود، ولكنه تلقى ذلك من خبرة الحياه على الارض، ولهذا كان زوربا مثل الثعبان الذي تقدسه بعض الشعوب الابتدائية لالتصاقه بالارض، إنه لعليم ببواطن الامور وانه كذلك لوثيق الصلة بكل مايتعلق على أرض الحياة.
فى جزيرة كريت يبدأ زوربا العمل حيث يجد أن المنجم يحتاج الى تدعيم، فيفكر بأشجار الغابة القريبة التي يملكها الدير ويتودد الى الرهبان ويبنى علاقة قويه معهم ويصل عمق هذه العلاقة الى الحد الذي يجعل زوربا يرقص مع الرهبان، فينبهر باسيل بذلك ويتأكد من نجاح زوربا مع رهبان الدير.
يمثل زوربا التفاهم الطبيعي بين الطبيعة والانسان مثله مثل زرادشيت فى كتاب نيتشه، حيث كان العالم بالنسبة اليه ثقيلة لكنها واضحة وهو يعيش فى هذه الحياه فى صداقة واقعية مع الطبيعة دون تدخل العقل الذي يشوه الاشياء ويعقد الافكار،وقد أستطاع بفطرته هذه ان يحب ويكره ويقاتل ويعمل ويحل جميع المشكلات التى تعترض طريق حياته دون الحاجة للرجوع الى الكتب أو الى اقوال الفلاسفة .
الرواية فلسفية من الطراز الاول، تشرح وتدلل أن الانغماس فى تفاصيل الحياه بكل تعقيداتها وأشكالها وحروبها المختلفة مع الانسان ماهي الا طريقة للتعرف عليها، وبدلا من الشجب والندب الذي يؤذى ويضر بلا نفع، فهناك العديد من الوسائل الحسية الخمسة لتدرك أنه بإمكانك التغلب على مشاكل الحياه باعتبارها معركة أبدية ليس من الضرورى أن يكون بها فائز أو خاسر ولكن الفوز يكمن فى فن التعامل معها وعدم الضجر منها، فى مساسيتها مع القدرة على الاستمتاع بما فيها من نعم ومزايا.
التعليقات