عندما بلغ الخمسين من عمره أصبح فكتور هوجو لاجئا سياسيا وأصاب الحكومة الفرنسية بالكثير من القلق والحيرة والشك بسبب كتاباته عن الحرية وعن قوانين الدولة وقوة الخارجين عنها، فطالبت الحكومة الفرنسية حكومة بلجيكا أن يرحل ليركب إحدى السفن التى نقلته الى جزيرة جرنسى ليستقر بها ويبدأ التخطيط لكتابة روايته التى ستجلب له المجد والشهرة والابتلاء فى نفس الوقت.
استمر كتابة الرواية أكثر من ثلاثين عاما، حيث بدأ التخطيط لها عام 1828 ميلادية ويدون فى عباراته أن الحرية سوف تسطع فى كل سماء فرنسا وأن نهاية الظلم قادمة لامحالة وسيرى ذلك الجميع دون شك، لينتهى من كتابة النسخة الاولى من الرواية فى عام 1848 ميلادية بحجم 600 صفحة، وبسبب الاحداث الدامية فى فرنسا فى ذلك الوقت لم يستطع من نشرها، ومن منفاه فى ذلك القبو المظلم يقرر إعادة كتابتها لينتهى من النسخة الثانية التى تجاوزت 3000 صفحة معلنا انتهاء الرواية عام 1860 ميلادية.
تتحدث الرواية عن حال الطبقات المسحوقة فى فرنسا وعن الفقر والظلم الذي تفشى فى ارجاء البلاد بشكل غير مسبوق فلم يسلم منه شخص، ولم ينجو منه أحد، لتتحول الرواية الى قضية أجتماعية يبحث من خلالها هوجو عن عقوبات القانون الاعمى الذي لايبصر الا من خلال منظومة متكاملة من الخداع وتزييف الحقائق.
الشخصيات الرئيسية فى الرواية عن بطلين متناقضين تماما، الأول جان فالجان الخارج من السجن والخاضع لمراقبة الشرطة بشكل تام حيث تم فرض رقابة صارمة عليه من كل اتجاه رغم أنه يقرر تغيير مصيره، والشخصية الثانية جافيير رجل الشرطة الذي يمثل القانون.
يستلم جان فالجان بطاقة هوية صفراء خاصة بالمشبوهين والمنبوذين فى حكم القانون، فيجد نفسه محاصرا بنظرات الناس من حوله وبشكوكهم فى سلوكه، ليلتقى فى نهاية المظاف برجل دين فاضل يعطف عليه فيتأثر به جان بشخصية رجل الدين ويقرر أن يغير أسمه ليخطو حياه جديدة وبداية مختلفة.
تزدهر الدنيا فى وجه جان فالجان وتمضى السنوات ليغدو من أثرياء المدينة وأصحاب الاملاك بها، لكن لم يمنحه القدر أن يعيش فى ذلك النعيم كثيرا، حيث أن الظابط جافيير يعرفة تمام المعرفة منذ أن كان فى سجنه، ولم يقتنع بأن جان قد أصبح شخصا أفضل ويحاول الايقاع به بكل الطرق الملتوية لانه يعرف ماضيه، حتى يضطر الى تسليم نفسه لحماية شخص بريء اتهمه الظابط بأنه جان فالجان، ليهرب من السجن ويعيش باقي عمره طريدا وحيدا.
هكذا تدور الرواية حول مكانة المعذبون فى الارض وان حاولوا الاصلاح من انفسهم، فماضيهم يحول دون ذلك وان صدقوا فى نياتهم بالتحرر من أفعالهم السابقة، وبعد سنوات يكتب طه حسين مقالا طويلا عن تلك الرواية بأن هوجو تنبأ بالثورة التى ستحدث بسبب تفشي الظلم والقهر وغياب العدل وتعطيل القانون.
تم ترجمة الرواية الى العربية أول مرة عام 1901 ميلادية من خلال شاعر النيل حافظ ابراهيم حيث قام بترجمتها أثناء نفيه فى السودان بعد طرده من الجيش بتهمة تحريض الجنود على القيام بثورة ضد الانجليز المحتلين ليكتب صاحب رواية البؤساء وهو خير ماأخرج للناس فى هذا العهد، فقد وضع الكاتب مأساته جنبا الى جنب بجوار مأساة جان فالجان.
التعليقات