من دواعي اللامعقول أن يتحدث الإنسان عن أحزانه وتجاربه الماضية بكل ما فيها من صراعات ومتاعب ومعاناة، دون أن يكون واعيا أن لذلك مخرجا أو متنفسا ولو بعد حين، ولو كان هناك حظا وافرا من النضج في اتجاهات العقل البشري وتفكير المرء الواعي لكان من المنطقي أن يبحث الإنسان عن مقومات السعادة في شيء يدخل عليه بهجة ولو بأبسط الحلول التي يرتضيها لنفسه، ومن هنا كان السؤال المنطقى الذي يجب أن يبدأ به كل إنسان عاقل وواع، ماذا يسعدك؟ وماذا يجعلك تضحك؟ وهل يمكن أن يصبح البكاء سببا او مخرجا لسعادتك وقت نزول دموعك؟ وما الذي يجعلك فى مقام ترتضيه لنفسك حتى تتأكد من توازن الحياة ما بين سعادة وشقاء، وانه لاسعادة باقيه كما أنه لا شقاء دائم.
قبل أن نخوض فى أحداث تلك الرحلة وتلك الدراسة المستفيضة فى صفحات هذا الكتاب، وأقول هنا دراسه ورحلة ولا شيء آخر، فليس هناك سبب محدد أو طريق واضح المعالم للبحث عن السعادة أو وصفة سحرية للحصول عليها، ولكن هي دراسة مستفيضة بعبق تاريخي مدهش من خلال رحلة فكرية عن الصوفية منذ بداية العصر الاموى وحتى نهاية العصر المملوكي.
تتحدث تلك الدراسة عن التجربة الانسانية فى البحث عن اليقين في الدنيا والاخرة، وتلك التجربة الانسانية المليئة بعثراتها وزلاتها واحباطاتها ونجاهاتها واخفاقاتها وتغيراتها المستفيضة وعقباتها اللامتوقعة ماهي الا مؤشر واضح انه لاسعادة بدون رضا فى ظل تلك الرحلة وهذا الطريق، فعندما سئلت رابعة العدوية متى يكون العبد راضيا ؟ فأجابت إذا سرته المصيبة كما تسره النعمة.
وتتطرق تلك الرحلة الى معالم وشواهد فى الطريق من خلال مجموعة من البشر أمثالنا، ولكنهم قرروا ببصيرة ورؤية واضحة وبعد نظر لم يرتق اليه الا القلائل مؤكدين على طول الدرب أن السعادة تكمن فى تطهير قلبك لرؤية النور الذي قد تعتفده ظلاما دامسا.
وكما قال أحد العلماء " لاتدرك الراحة الا بعد التعب ولايحصل النصر والظفر الا بالطلب " وما المنع والعطاء الا وسيلة استيعاب العاقلين فى أن كون العطاء قد يكون منعا وقد يكون المنع عين العطاء كما تخبرنا حكم أبن عطاء الله السكندري.
أستطاعت الكاتبة ريم بسيوني فى هذه الرحلة الممتعة أن نخوض معها تجربة رائدة لاعلام الصوفية بداية من رابعة العدوية – رائدة التصوف والعشق الالهي مرورا بأي حامد الغزالي والشاذلي وأبن عطاء الله السكندرى وأنتهاء بأبن عربي وعمر ابن الفارض سلطان العاشقين.
كما أستطاعت تلخيص أمور كثيرة لتضفى حقيقة واجبة فى رحلتلك القصيرة فى هذه الدنيا مفادها أن الزهد ليس بلبس الصوف ولابتحريم زينة الله والطيبات من الرزق، ولكن الزهد هو ايضا نوع من انواع التوكل على الله وهو أن تدرك أن مافي يدك رخيص، وما معه هو غال،وقربه غايه ورزقه مكتوب وقدره حاصل.
وأخبرتنا عبر محطات توقف لاحصر لها، انه كلما قل ماتفرح به قل ماتحزن عليه، وأن مايقف حائلا بينك وبين ربك ليس مسافة، ولكنها نفسك وشوارعها وطرقاتها الوعرة التى تخلق مسافات وهمية بارادتك.
أستوقفنى كذلك فى تلك الرحلة الممتعة أساليب البحث المعتدلة فى دهاليز الشخصيات المذكورة وعدم وضعهم فى برج عاج بعيدا عن قلوب محبيهم، فكلنا بشر يعرف الحقيقة من السراب ولكننا نملك عقلا واعيا يمكنه استيعاب رحلة الحياة فى نقاط متتابعة.
الكتاب رحلة شقية ومممتعة تقبل الاخر وترفض التعصب أو رفض الديانات الاخرى وهذا مايصنفه بأنه نظرة عقلانية متأنيه فى كتب اخرى كالتوراة والانجيل والزبور والفرقان، فهذه كتب أربعة تتحدث عن رحلة يسعى اليها جميع البشر، فكلنا سواسية.
أبدعت الباحثة ريم بسيوني فى هذه الرحلة، وأنتظر رحلات أخرى عن عصورنا الثرية منذ العصر الاموى وحتى المملوكي .
التعليقات