هناك أوقات تمر علينا جميعًا يصعب عليك أن تجد فيها نفسك. من الجيد هنا أن تتوقف كل الوقت اللازم لتتعرف على هويتك، توقف لتستدل عليك!
إن كل اللحظات والأيام والسنون التي مرت عليك قد لا تبدو ممتلئة بما يلبي قناعاتك عن تلك الروح التي تسكنك وتستحق أن تعزها وتدللها.
نعم يا صديقي فأنت وقلبك ووجدانك قادرين أن تصنعوا الحياة بمذاق مختلف يتناسب وحلاوة روحك ورغبتك الجادة في الإقامة بجودة في دنياك.
كم مرة نظرت إلى مياه البحر وحدثتها؟ كم عدد المرات التي توقفت فيها بجانب نبتة أو شجرة وتغزلت في جمالها وأصبحت صديقها؟ هل توقفت يومًا تراقب طفل صغير يلهو ورأيت من خلاله الحياة؟ كيف كان ملمس الهواء البارد الذي لفح وجنتيك؟ هل ارتبطت بالطرق التي تأخذها كل يوم وسلمت على كل ما فيها؟
صديقي … حياتك لا تمتليء بما تصنعه فيها فقط، بل بما تشعر به من خلالها!
كل منا يمتلك قدر هائل من المواهب لكنه لا يمتلك البراعة الكافية لإظهارها والتمسك بأدائها والعيش من خلالها.
كل لحن تسمعه قادر أن يحرك داخلك جبال من القوة لو أنصت بحق لمعناه ولم تستمع له فقط لقطع الوقت.
كل ريشة ترسم بها ملامح أو منظر طبيعي أو شخص تحبه تعبر عن كينونتك واستداماتك.
كل وجبة تصنعها لنفسك أو لغيرك تضع من خلالها محبتك لا تلبي بها احتياج فقط، بل هي شهادة بأنك قادر على صناعة السعادة.
لا أتفهم من يعش حياة خالية من الطقوس المحببة، تلك التفاصيل الصغيرة المكدسة في يومك لا يجب أن تتهاون في أدائها والتمسك بها.
ملمس الكتاب الورقي ورائحته وأنت تقرأ، القلم الخشبي في يدك، الألوان التي تزين بها الصفحات، الأقوال المأثورة التي تَخُطها فتصنع من قراءتك مسالك جديدة تضعك على طريق مختلف بحق سوف تحبه.
أعترف أني أحب الكراسي الخشبية الطبيعية أكثر من غيرها فهي تربطني بكثير من الحياة.
الأقلام الرصاص التي يتم بريّها تجدد داخلي الأمل بجودة تمر على روحي في كل مرة أفعل.
الأقلام الجاف ذات السن العريض التي تسطر خطوط واضحة ثابتة لا تخطئها عينيك.
أما أقلام الحبر القديمة تلك التي أملأها من الحبارة وتتسبب في تصبغ أناملي فإني أعشقها.
ملمس الألوان الأكريلك أو الزيتية البارزة التي أرسمها بسكّينة الرسم تضفي جمال الملمس وعمق للتفاصيل التي أود أن أتركها من خلفي.
أما عن أفضل متعتي، هي تلك العبارات التي أُخرجها من قلبي بصدق ليقرأها غيري. فهي تعبر عن نوع وقيمة وعمق الحياة التي أرغب أن اجتازها بنجاح وصبر ومثابرة؛ وأن يفعلها معي كل من يقرأ لي لنتحدث معًا لغة سوية تمكننا أن نحيا بجمال.
نوع الشاي الذي نشربه، ملمس أول رشفة من فنجان قهوتك على شفتيك، لا تبتلعه يا صديقي … احتسيه!
تعلم أن تتذوق طعامك على مهل، استمتع بنعمك في كل وقت تكن قادرًا على ذلك.
تذوق الدنيا من حولك، خذ نفسًا عميقًا إذا مر عليك ريح البحر أو عبير هواء محمل برائحة الزهور.
اسكن عندما تقام من حولك الحياة!!!
توقف لحظات لتستمتع … أنت باقٍ وكل أوجاعك إلى زوال، لا تنتظر أن تروق لك الدنيا، بل تعلم كيف تزينها على مقاس روحك واحتياجاتك.
قرأت "لدلال العمودي" مقولة مبهرة تقول فيها: يَهبِطُ القبول قَبلَ الحُب بمُدّة، فيَكونُ على هَيئَة انشِراحٍ عَجيبٍ وأُلفَةٍ غيرِ مَفهُومَة، وتِلكَ مَنزِلَةٌ عَزيزةٌ تُساقُ إليها قَدَرًا ولُطفًا، لا بِسَعيٍ منكَ ولا سابِقِ اجتِهادٍ وتَرصّد!
إن كل لحظة في يومك ينطبق عليها هذا الوصف، فعندما تتقبل أقدارك كلها وتترك العنان لروحك لتنشرح بنعمك، تهبط عليك الأقدار الحلوة التي مهدت لها الطريق سلفًا بحلو إقامتك في الحياة.
أقدارنا هي تلك التي التوقعات التي ننتظرها ونمهد لها الطريق بعناية علها تأتي!
الانتصارات التي لم يعرف بها أحد هي كل نقاط القوة التي شكلت وعي ووجدان الرجل الصلب بداخلك.
تلك الحياة التي كنت تحيا على أطرافها، الليالي التي لم تنمها، الأرق الذي صاحبك في ليلك معروفًا، الأمنيات التي استودعتها الخالق الأعظم، كل ما سبق كان الارتكاز الأمني الذي مَكَنك من الخروج سالمًا.
اختلط بنعمك كما تذوب ملعقة السكر فتكسب كوبك الحلاوة المحببة.
انتصارك في دنيتك يعني أنك جلست طوال الوقت تنتظر خيرها وتتعامل بحكمة وجودة مع مَشَقَّتها.
حياتك ما هي إلا تفاصيل كثيرة بعضها ذات نوافذ مطلها مريح وأخرى قاسية يُنتظر أن تتجاوزها أو تجاورها بسلام.
يعينك على ما سبق أن تكتنز في قلبك كل تلك المبهجات اليومية التي تغافلت عنها طويلا، أن تجيد خلق كفوف الانشراح وتيسر لها كل المسالك التي تنتهي إلى قلبك، ثم تفسح طريقًا للرضا داخل منحنيات روحك؛ فيطيب لك عيشًا يليق بأحلامك وأمنياتك وجهدًا بذلته عمرًا في الاتجاه الصحيح.
التعليقات