واحدة من أفضل الأشياء التي من الممكن أن تغير حياتك إنك تكون فاهم نفسك، متصالح مع دنياك وراضٍ بما قسمه الله لك.
ناس كثيرة متصورة إنك محتاج تكون عظيم، عالم مثلا فى مجالك .. دكتور شهير .. مهندس عبقري .. مدرس لآلاف الطلبة .. أو حتى وزير.
اختلف جملة وموضوعا مع هذا الفكر، الحياة قائمة على التكامل بين الناس .. كلنا محتاجين لبعض .. كل الوظائف مهمة .. المهندس يذهب للطبيب في مرضه والطبيب علمه مدرس وزرع طعامه فلاح وقام على خدمته حارس البيت والمكوجي وصاحب محل البقالة.
الرابط الوحيد بين كل الناس ليس الوظيفة ولا المال ولا العزوة ولا السلطة .. الرابط الوحيد الذي يأتي في المقدمة هو الخُلُق.
من المؤكد أن من ضمن انجازاتك في الدنيا حسن تربية أولادك. شحن طاقتك الإنسانية على مدار عمرك كله ليتمخض عنك أبناء ناجحين واحدة من أعظم إنجازاتك على الأرض.
أداء بعض البشر أصبح معتل. أمهات وآباء كثيرين فقدوا القدرة على إنتاج الإنسان.
إن تنشئة ابن أو ابنة يعرفون الأهمية البالغة لقوة النفس الرشيدة أصبح مفتقد بشدة في دنيتنا.
ينسى الآباء أن حياة أبنائهم وقت تنشئتهم تخصهم وأن السهر على تصويب عوار أنفسهم قبل أبنائهم هو مرتبة من مراتب الجهاد.
انتشر قانون الغابة بين الناس وصارت المادة هي المسعى الذي يتوجه إليه الجميع، تناسى الآباء كيف يروضون أرواح متعلقة في رقابهم وصارت الامكانيات هي الهدف والمطلب الوحيد.
سيدي هناك إنجازات لا يراها أحد وقد لا يشكرك عليها أحد.
في عالم النباتات هناك أشجار كثيرة تحتاج إلى دعامة خشبية في بداية فترة عمرها الأولى، حتى يشتد الساق ويتحول النسيج الغض إلى نسيج خشبي قادر على الصمود في وجه العواصف والتغيرات المناخية.
تلك الدعامة هي يداك يا سيدي، هي الساعات الطويل التي سهرت بجانب ابنك تتحدث معه عن مخاوفه دون أن تنكرها عليه، هي التصويب الذي تفعله لأفكاره الشاردة، هي الأمان الذي توفره لقلبه، هي العصا التي تكسر بها أنف من يقترب منه، هي صنيعة الفضل التي تلقنه إياها بتؤدة على مدار عمرك بأكمله، هي سماحك لابنك بهامش محسوب من الخطأ كي يتعلم بالتجربة وليس بالتلقين، هي يد الرعاية التي تقيم الأنفس الكسيرة، هي أن تظل متاح طوال الوقت، هي يدك التي تقيم بها ظهره حتى لا ينحني، وهي الصبر ثم كل الصبر المُقَدَم رغم شح المقدرة.
تلك هي الانجازات التي لا يراها أحد!
الدعامات هي يا سيدي ظهر أباك وكتف أمك .. ليس كل الآباء والأمهات بل أصحاب الجود والفضل منهم.
من ضمن أفضل الطرق التي تُكَاثِر الخير في الدنيا أن يكون ظاهرك مثل باطنك وأن تجاهد نفسك لتظل إنسان.
أبنائنا صور معدلة من أرواحنا، لن يأتي أحد يشكرك لأنك ربيت ابنك، أنت من سيكون ممتن لله ثم لنفسك.
الآباء الحاضرين في حياة أبنائهم هم أعظم نعمة في الوجود. هؤلاء لا يموتون أبدا، بل يظل روح هذا الأب وتلك الأم تسري في أجساد أبنائهم. يظل هؤلاء الفتية يعملون بدستور أب أو أم مات من عشرات السنين ولا تزال كلماته نافذة داخل أرواح أبنائهم.
تلك البصمة هي كل الغرض من وجودنا في الدنيا .. نحن هنا لنحقق الأمان لفلذات أكبادنا ثم يأتي بعد ذلك أي شيء آخر أو لا يأتي.
اتذكر في بداية زواجي كيف كانت حياتي وردية بسيطة. ثم أتى أبنائي واحدا تلو الآخر .. فتغير بداخلي ومن حولي كل شيء، أصبحت هم وليس أنا.
تنازلت عن الكثير من أحلامي من أجل أحلامهم، تحولت راحتي الجسدية والنفسية لرصيد نجاحاتهم على الأرض، رضيت بمشاق الرحلة بحلوها ومرها .. بوجعها وفرحها وأحيانا قهرها، لكن أفضل ما فعلت أني ظللت طوال الطريق أصوب بوصلتي بما يتناسب مع احتياجاتهم فلا يفتقروا إلى ود ولا يفتقدوا حب ولا يمسهم نصب قلب.
القلوب الممتلئة تصنع إنسان سويّ سعيد، وهذا يا صديقي أيضا إنجاز عظيم لا يهم أن يشكرك عليه أحد.
يكفيك فخرا أن يظل أثرك الطيب في الدنيا، أن يفتقد غيابك الجميع وأن تبقى ذاكرة القلوب ظليلة بمحبتك.
الصدق المجرد يا سيدي هو باب النجاة من كل سوء، فإذا كنت شخص لا تكذب ستصبح مشاعرك صادقة سيصوب الله وجهتك دائما. ستُحرَم وتبتلى وتسعد وتهنئ، لكنك سيظل الرضا المتنامي بداخلك هو مسند الأمان الوحيد الذي تطل من خلاله على دنيتك لتحمد الله ثم تشكر نفسك أن كانت لك نعم العون في صناعة تلك الانجازات التي لا يهم أن يشكرك عليها أحد.
التعليقات