على الرغم من أن الاحتلال الإنجليزي لمصر مكث حوالي خمسة وسبعين عامًا (ثلاثة أرباع قرن) فإن الثقافة الفرنسية كانت هي الأكثر تأثيرا في الطبقة الأرستقراطية في مصر. فكان معظم أبنائها يتوجهون لفرنسا للحصول على الشهادات العليا من هناك، فرأينا من الأدباء والفنانين التشكيليين على سبيل المثال؛ طه حسين ومحمد حسين هيكل وأحمد شوقي وتوفيق الحكيم ومحمود سعيد وغيرهم يسافرون إلى باريس ومونبلييه لاستكمال تعليمهم، والاحتكاك بالعالم الغربي ومحاولة نقل حضارته للمجتمع المصري، اقتفاءً لدور البعثات الأولى التي أرسلها محمد علي باشا وكان إمامُها في ذلك الوقت رفاعة رافع الطهطاوي (1801 – 1873) الذي سجل تجربته في أول كتاب يكشف عن هذا الاحتكاك وهو "تخليص الإبريز في وصف باريز" الذي صدر في طبعته الأولى عام 1834.
وفي كتابه "العودة إلى شوقي" يكشف الباحث شهيد عرفان تأثر أحمد شوقي بالشاعر الفرنسي فيكتور هوغو (1802 – 1885)، فكان شاعره الأثير، وأعمال شوقي الأدبية وحياته توحي أنه اتخذ هوغو مثاله الأعلى.
وفي حوار أجره محرر الأهرام بمناسبة مهرجان الشعر الذي أقيم بعد ظهر يوم 29 أبريل سنة 1927 لتكريم أمير الشعراء، وأعيد نشره في 20 أكتوبر 1972 بمناسبة مرور أربعين عامًا على وفاة شوقي، وورد في كتاب "شعر شوقي الغنائي والمسرحي" للدكتور طه وادي، سأله محرر الأهرام: أي الشعراء الفرنسيين أحب إليك؟ فقال شوقي: فيكتور هوجو. وأضاف: أجد بين هوجو والمتنبي شبهًا كبيرًا من حيث سمو الخيال والانفراد، إذ ارتفعا كلا في لغته.
أما شهيد عرفان، فيذكر أوجه الشبه بين الشاعرين شوقي وهوغو، فيقول: كان هوجو شاعرًا وروائيًّا ومسرحيًّا، وكذلك كان أو صار شوقي، والأرجح أنه اهتدى في طموحه أن يكون كذلك بهدي هوغو.
مدح هوغو الأسرة المالكة البوربونية، ورتب له لويس الثامن عشر 1200 فرنك كل سنة لقصائده الملكية، وتم هذا بعد الثورة الفرنسية، وظهور الشعب كقوة، ومع ذلك مدح هوغو الأسرة المالكة العائدة. وكذلك صار شوقي شاعر القصر ومدح الأسرة المالكة، وتمَّ هذا أيضا بعد الثورة العرابية، وظهور الشعب على مسرح الحياة السياسية المصرية.
كان هوغو من المعجبين بنابليون الأول، وكذلك شوقي، ولعل إعجابه به مستمد إلى حد ما من إعجاب هوغو به. وفي كرمة ابن هانئ توجد صورة لنابليون معلقة في إحدى حجرات الكرمة. ولشوقي قصيدة تحمل عنوان "على قبر نابليون" يخاطبه فيها قائلا:
قم إلى الأهرام واخشع واطَّرحْ ** خِيلة الصِّيد وزهو الفاتحين
وتمهَّل إنما تمشى على ** حَرَم الدهر ومحراب القرون
كان الشعراء والفنانون والكتاب يجتمعون في بيت هوغو بباريس، وكذلك كانوا يفعلون في كرمة ابن هانئ بالقاهرة.
ولعل أهم تأثير لفتكور هوغو على شوقي – بعد أثره المباشر كشاعر رومانسي غنائي (وأكبر شعراء الرومانسيين الفرنسيين) هو إعجابه بشكسبير. وسر اهتمام شوقي بشكسبير – وهو لا يعرف لغته – له مفاتيح كثيرة لعل هذا من أهمها، فشوقي تأثر بمعبوده الفرنسي في إعجابه بالمسرح الإنجليزي.
نُفي هوغو من فرنسا أثناء حكم نابليون الثالث (1851 – 1870) وكذلك نفي شوقي خمس سنوات إلى الأندلس، وكان النفي لكليهما ولأدبيهما حدثًا خطيرًا.
نال هوغو تقدير الشعب والدولة، وانتخب عضوًا في المجالس الوطنية والعلمية ومجلس الشيوخ، وتم هذا التقدير لشوقي الذي صار عضوًا في مجلس الشيوخ سنة 1924، ولعل رغبته في الحصول على رتبة الباشوية بعد عودته من المنفى كان مستمدًا من حرصه أن يكون من التشريف له في أخريات حياته، كما كان لهوغو.
وتقديره لهوغو واضح من القصيدة التي نظمها بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده سنة 1902، ولم ينظم شوقي إلا في خمسة من أدباء الغرب وفنَّانيهم: هوغو وموليير وشكسبير وفردي وتولستوي، وهذا يؤيد أن صاحب "البؤساء" كان له مكانة خاصة عند شوقي، ومطلع قصيدته:
ما جَلَّ فيهِم عيدُكَ المَأثورُ ** إِلّا وَأَنتَ أَجَلُّ يا فِكتورُ
ذَكَروكَ بِالمِئَةِ السِنينَ وَإِنَّها ** عُمرٌ لِمِثلِكَ في النُجومِ قَصيرُ
سَتدومُ ما دامَ البَيانُ وَما اِرتَقَت ** لِلعالَمينَ مَدارِكٌ وَشُعورُ
وقد تأثر شوقي في قصيدته "كبار الحوادث في وادي النيل" بقصيدة "أسطورة العصور" لفيكتور هوغو.
التعليقات