قد لا يعرف الكثيرون أن الأمواج العاتية التي تضرب السواحل بعنف وتتبعها فيضانات قوية مدمرة والتي تسمى "تسونامي" قد ضربت الإسكندرية قديما وتسببت في تدميرها.
فعلى الرغم من شيوع كلمة "تسونامي" مؤخرا، بعد تسونامي المحيط الهندي الذي وقع في تايلاند في 26 ديسمبر 2004، وتسونامي الذي أغرق بورما وميانمار في مايو 2008، إلا أن للكلمة جذورا تاريخية وجغرافية، فالظاهرة تعود إلى أوائل عام 426 قبل الميلاد، عندما تساءل المؤرخ اليوناني ثيويسدسديس في كتابه "تاريخ الحرب البيلوبونيزية" عن أسباب كارثة تسونامي، وقال إنه من الأرجح أنه ينجم عن زلازل المحيطات، ليكون بذلك أول من ربط التسونامي بالزلازل في تاريخ العلوم الطبيعية.
وتسونامي كما يخبرنا المؤرخ أميان، أحد الزلازل المصحوبة بعواصف شديدة، تتبعها فيضانات قوية كانت تضرب مناطق ساحل البحر المتوسط من وقت لآخر، إلا أنها تحركت لتضرب مناطق بحرية أخرى في العالم.
وكلمة "تسونامي" يابانية تعني: أمواج ساحلية. والشيء الخطير والمرعب في هذا التسونامي أنه يتحرك بسرعة تصل إلى عدة مئات من الكيلومترات في الساعة الواحدة، من مناطق أعالي البحار حيث منشؤه، حتى يصل إلى الشطآن.
ولم تسلم مدينة الإسكندرية، في عز مجدها وتألقها من هذا التسونامي، ويدلنا المؤرخ الألماني مانفريد كلاوس في كتابه "الإسكندرية أعظم عواصم العالم القديم" على أن تسونامي عام 365 الذي اجتاح شواطئ الإسكندرية "يرجع إلى زلزال مدمر للغاية بالقرب من شواطئ جزيرة كريت، لدرجة أنه جعل قاع البحر عند الشواطئ المصرية يرتفع ويتحول إلى أرض زادت عليها طبيعة الدلتا المتغيرة".
وبطبيعة الحال يفسر الناس ورجال الدين مثل هذه الكوارث الطبيعية على أنها إنذارات وإشارات للبشر عن حدوث ضرر كبير قادم.
وفي مثل هذه الحالات يعترف البشر بأنهم مذنبون، فالمسيحيون يتقربون لله، والوثنيون يتقربون إلى الآلهة، في تلك السنوات التي شهدت فيها الإسكندرية صراعًا خطيرًا بين الوثنية والمسيحية، وبين الطوائف المسيحية المختلفة.
ويحدثنا كلاوس أنه في هذه الحالات يُطرح السؤال عمَّن كان هو السبب في حدوث تلك الكارثة الرهيبة التي أصابت الإسكندرية، هل هم الوثنيون أم النصارى؟ وإذا كانوا النصارى، فأي فصيل منهم، هل أتباع أريوس أم أتباع أثناسيوس أم أتباع مليتيان؟
ويضع المؤرخ الألماني جملة من المعتقدات والأفكار التي سادت في هذا الزمن لدى المؤرخين ورجال الدين حول تسونامي الإسكندرية، وسنرى أن بعضها يتصف بالمبالغات التي تنقلنا إلى جو من الأساطير والخرافات.
وعلى سبيل المثال يقول الراوي والكاتب الوثني ليبانوس من مدينة انطاكية السورية: "إن الأمواج العاتية حطمت مدنا كثيرة في فلسطين وفي كل ليبيا. وكل مدن صقلية تحولت إلى حطام، كما حطمت الأمواج كل جزر اليونان ما عدا جزيرة نيكايا الجميلة، وكذلك مدينة انطاكية".
وتناول راعي الكنيسة هيرونيموس الأمر من وجهة نظر مسيحية فرأى في كل هذه الكوارث عقابا إلهيًّا للإمبراطور يوليان الذي غيَّر عقيدته، وارتدَّ عن المسيحية، وذهب إلى أن الراهب هيلاريوس استطاع أن يوقف الأمواج الهائجة بمساعدة الرب وصدَّها عن مدينة إبيدامنوس في دلماتيا.
ويشير كلاوس إلى أن تلك الكوارث الطبيعية كان لها فائدة من نوع آخر في الإسكندرية حيث تناست الفئات المتصارعة صراعاتها لبعض الوقت، بمعنى أنها تلهَّت بتلك الكوارث الطبيعية عن الصراع المعتاد.
وعلى الرغم من حدوث ثمانية زلازل في مدينة الإسكندرية خلال الأعوام 320، 365، 551، 796، 951، 956، 1203، 1303، إلا أن أسوأها وأشرسها تدميرًا وتخريبًا كان زلزال 365 الذي حدث في 21 يوليو، وجلب معه تسونامي الخطير، لذا ظل محفورًا في ذاكرة السكندريين، وخصَّصوا هذا اليوم من كل عام للذكرى والتفكر.
ويؤكد كلاوس العثور على نص قبطي يرجع إلى القرن السادس يقول ما معناه إن القسيس أثناسيوس قام بفتح الإنجيل واستقبل به أمواج البحر الهادرة بمدينة الإسكندرية، وبذلك صد هذه الأمواج وردها عن اجتياح المدينة.
ويوضح أن مثل هذه الأساطير حفظها البشر وتناقلها المسيحيون، وجعلت يوم الرعب هذا يُسجل في حوليات مدينة الإسكندرية .
التعليقات