وضعت شاعرة العامية السكندرية خديجة غنيمة قبل رحيلها، أعمالها الشعرية الكاملة بين أيدينا، والتي احتوت على الأعمال: "وأعطي لقلبك حق الإقامة"، ورنة خلخال"، ولكني امرأة شرقية"، و"بيني وبينكم"، و"يا منقوشة على كفي"، و"يا نني عيني"، وأخيرا "عصافير مرحي"، مؤكدة بذلك على رعايتها لموهبتها ورغبتها في التواصل مع الآخرين سواء كانوا قراءً أو نقاداً، أو مسئولين عن الحركة الأدبية والثقافية في بلادنا التي أحبتها وتغنَّتْ كثيرًا بها في أشعارها العامية والفصحى.
إنها بنت هذه الأرض الطيبة، ونبتة صالحة من نباتاتها المثمرة، تقف معها وقت الشدة والأزمة والمحنة، مثلما تقف معها وقت الفرح والأعياد والانتصارات، لذا نرى الشاعرة تواكب أحدث ثورة 25 يناير فتكتب تحت عنوان "أعمال الثورة" بديوانها "يا منقوشة على كفي" وكأن مصر هي تلك المنقوشة على كف الشاعرة، فهي قدرها وطريقها ومصيرها الذي لا تتراجع عن السير فيه، فتكشف بذلك عن وجه وطني مخلص، إلى جانب وجوهها الأخرى التي نلمحها في كل أعمالها مثل وجوه الخير والمحبة والصداقة والوفاء والعطاء.
وعلى الرغم من ثقافة الشاعرة واطلاعها على أعمال شعراء آخرين، فإنها لا تقلد أحدًا من الشعراء سواء في الفصحى أو العامية. إنها لا تنتمي إلا إلى صوتها الشعري العذب والأصيل، معبّرة في كل أعمالها عن ذاتها الشاعرة.
وقد يكون هذا سببًا من أسباب دوران بعض المفردات والتراكيب الشعرية بعينها في عدد من القصائد، أو فلنقل دوران معجم شعري معين في دواوين الشاعرة، ما يدل دلالة أكيدة على أن الشاعرة امتلكتْ لغتها الخاصة وموضوعاتها المحددة، التي سبق أن أشرنا إليها في دراسة عن ديوانها "يا نني عيني"، فهي تقول على سبيل المثال عن "الأسماك":
بيكي أنا أحلم ** لو كنتي في ايديه
يا سمكة فضية ** يا سمكة فضية
وسمكة البربون ** شبار وبلطية
محلاها لما تكون ** مقلية .. مشوية
خديجة غنيمة لا تملك إلا الحب في قاموسها الشعري تقدمه لنا من خلال الكلمة والهمسة والحرف والإيقاع والموسيقى، ونحن لا نستطيع إلا أن نبادل الحب بالحب في عالم إنساني تتضاءل فيه فرص الحب والخير والجمال والصداقة والتفاؤل والإشراق.
هذا العالم يحتاج إلى قراءة أشعار وقصائد خديجة غنيمة، فربما تقل فيه نغمة الكراهية والأحقاد والانتقام والقتل والتشريد، وتزداد فيه نغمة الحب والفرح والابتسام والسعادة، فيعود الإنسان إلى أصله الإنساني الجميل المتسامح المحب للحياة.
ولا أود أن استشهد أكثر ببعض أبيات الشاعرة للتدليل على ذلك، فأمامنا الأعمال الشعرية كلها، ننتقي منها ما نشاء، أو نقرؤها كلها دفعة واحدة، أو على دفعات، ليتأكد لنا بعدها أن العالم أفضل والحياة أجمل، وأن على الأرض ما يستحق أن نعيش من أجله، وأن الشعر من خلال أعمال خديجة غنيمة هو بحق رسول المحبة والسلام.
التعليقات