المقدمة
إن رفض أو إستنكار الأفراد لفكرة أو فعل معين لابد وأنه مبني على نهج معرفي يرتكزون عليه في بناء الرأي، إلا أصبح الكلام والفعل الإستنكاري ليس ذي معنى. ولعل هذه هي إحدى مشكلات الطبقة المثقفة في المجتمع وهي "مشكلة ضبابية المنهج وضياعه أحيانا" فما نراه من أزمات يعود في الأساس إلى خطأ في المنهج نتج عنه خطأ معرفي. وأقصد هنا بالنهج المعرفي "مجموعة من المعاني والمعتقدات والأحكام والمعلومات والحقائق والمفاهيم والتصورات الفكرية في الحقول المختلفة التي تتكون لدى الإنسان من مختلف الأعراق والديانات والمذاهب نتيجة لمحاولاته المتكررة لفهم الظواهر والأشياء المحيطة به([1]) ".متجاوزين بذلك الانتماءات المرتبطة بالرقعة الجغرافية، عابرين نحو أفق جديد فرضته علينا العولمة التي شملت قطاع الإقتصاد والإتصال والثقافة والسياسة، لتشكل هذه الرؤيا فيما بعد نظرة إفتراضية لمنهج الإرهاب الذي نريد تفكيكه خلال هذه الدراسة، بمختلف أعراقة ومذاهبه وطوائفة وجغرافيته.كأزمة عالمية متعددة الأطراف والأهداف.
مشكلة الدراسة: نتحدث هنا عن الإرهاب كمنهج نتج عنه هذا الفعل، مما يستوجب تفكيك المنهج المعرفي، مما يسهل علينا مكافحة الإرهاب بمكافحة المنهج الذي قام عليه الإرهاب.فيما عدا الإرهاب المسلح فالتدخل الأمني هو الحاسم في هذه الحالة.
فرضية الدراسة: تفترض هذه الدراسة أن المنهج المعرفي لأزمة الإرهاب يرتكز على جذور سياسية وإقتصادية وعسكرية ومعلوماتية ولا يقتصر فقط على الجذور الثقافيه والدينية.وأن الإرهاب ناتج منهج شارك فيه العرقيات والقوميات والمذاهب والمنظمات.وعليه فإن تفكيك بنية المنهج المعرفي يقودنا إلى معرفة ألية المكافحة، ويساعدنا في بناء منهج معرفي مضاد.
الإرهاب كأحد نتائج العنف عبر التاريخ
إن الإرهاب هو أزمة عالمية لا تقتصر على عرق أو جغرافيا أو ديانة معينة، وهو أخطر ما يهدد السلم والأمن على مستوى دولي والأفعال الإرهابية نتاج لمراحل كثيرة تبدأ بالنزوع ثم التشدد وتكوين أفكار متطرفة، ليصبح العنف إحدى وسائل التغيير كما هو الحال في العديد من الجرائم، وحتى الأن ليس هناك تعريف للارهاب متفق عليه دوليا، ولكن المجتمع الدولي أجتمع على أن هناك مجموعة من الأفعال يمكن أن نسميها إرهاب وتشمل الجرائم المتعلقة بالإرهاب استخدام العنف لأغراض سياسية، مثل استهداف الناقلات البحرية وخطف الطائرات المدنية واستخدام السلاح النووي والكيميائي ضد المدنيين وعمليات الخطف والاتجار بالبشر. والإرهاب نفسه ليس ظاهرة حديثة، غير أنَّ بدايات القرن الحادي والعشرين أخذت تتسم بتركيز أشد على هذه المسألة وبازدياد الوعي بشأن الأفعال والجماعات الإرهابية([2]).
وتاريخيا([3]) فإن العنف ليس وليد هذه العصر فالأحافير والبرديات والرسوم تؤكد على استخدام العنف من قبل ظهور الأديان وسن القوانين الوضعية من أجل تلبية حاجات من يقومون بالعنف بل أن هناك بعض الأمم قديما صورت العنف على انه جزء من البنية الحضاية لها وكانت ترى أن ما تفعله حق مشروع للدفاع عن النفس، وهنا وجب التفريق بين القوة كرد فعل للدفاع عن النفس في حال وجود تهديد وبين العنف وهو التفريط في استخدام القوة([4]). وهذا ما يأخذنا إلى فرضية ان الحضارات القديمة لم تكن تفرق بين العنف الناتج عن عملية الغضب والإحساس بالضعف وبين العنف المستند إلى القانون. لذلك يجب علينا النظر في العوامل التي صننعت التطرف المؤدي إلى العنف، كالآتي:
- الإفتقار للمعرفة الذي يولد الهمجية في التعامل مع الأخرين، وقراءة النصوص الدينية بشكل خاطئ مشوه يفتقر للتمعن والفهم الصحيح للمعنى الحقيقي([5]).مما يولد حواضن فكرية خصبة لتجنيد الالالف من الارهابيين مع ملايين من المتعاطفين معهم.كما هو الحال مع الميليشيا الحوثية في اليمن، فقد أكدت تقارير أممية قيام الحوثي بتغيير المناهج الدراسية لطلاب المدارس بما يتناسب مع عقيدة الولي الفقيه لنشر الفكر المتطرف الذي يخدم أجندته الدينية والسياسية([6]) .
- فرض ايدلوجيات تخالف الفطرة الإنسانية السليمة، وليست بالضرورة أن تكون هذه الايدلوجيات ذات طابع ديني، فهناك من تتسم بالطابع الحزبي او الفردي او الجماعي.
- تسيس الدين للسيطرة على محدودي الثقافة والوعي من الناس بحجة تحقيق العدالة لهم، مما يولد عنف ضد الأفراد الرافضين لهذا الفكر.بل انه اعتبره العديد من الاكاديميين أسوأ انواع الاستبداد.وفي الاغلب تنفذ من قبل اشخاص ومنظمات تدعي الارتباط بالله ([7]).كما فعل الاخوان المسلمين برفعهم شعار "الحرية والعدالة " لاستقطاب فئات عانت من التهميش سابقا2013، وكذلك إقامة حد الاسلام على مواطن مصري مسيحي بقطع أذنه كعقوبة للتحرش لم تذكرها الشريعة الاسلامية([8]) .
تفكيك الصورة التاريخية للإرهاب
وهنا نريد أن نعالج الصورة التقليدية النمطية عن مشكلة تاريخية نسميها الأن الارهاب، فالشخص لم يقم لوحده بالفعل الارهابي بل كانت هناك عوامل بيئية مساعدة وفرت عنصر التدريب والتخطيط والاستعداد للقيام بالفعل الارهابي. لذلك نعالج في هذا المطلب من حيث أسباب وعوامل تكون صورة نمطية مرضية عن الفعل الاجرامي والارهابي على مر التاريخ، باعتباره فعل مبررمن المجموعات البشرية، ويحدث لبس أحيانا في عدم القدرة على التفريق بين العنف من أجل تفعيل القانون والمقاومة للدفاع عن الوطن ضد المحتل، ومن ناحية أخرى العنف غير القانوني وغير المبرر.
تحديد أنواع الارهاب وتمييزها عن مفهوم المقاومة :
ويمكن في هذه الحالة تقديم فرضيات تعد كاسرة للصورة النمطية التقليدية التي تراكمت على مدار عقود عن العنف والارهاب، هذا التحديد سيصبح تحديد مفاهيمي، والسبب في ذلك أن تحديد المفاهيم هو الذي يقوم بعملية كسر النمط، وبالتالي تحديد المنهج المعرفي الجديد، لذا التأسيس هنا وفق هذه الفرضيات يعد كسرا للنمط التراكمي وتأسيسا للمنهج المعرفي الجديد، والذي هو بديل عن المنهج المعروف، والذي ولد النمط الخاطئ لفهم المشكلة وهي " الارهاب ".
- الارهاب الفردي: وهو فعل ليس بالضرورة أن يكون مسلحا، يقو م به فرد واحد بغية تحقيق هدف أو أهداف تم التخطيط والاعداد له مسبقا([9]).
إرهاب المجموعة: وهو فعل ليس بالضرورة أن يكون مسلحا تقوم به مجموعة بشرية معينة بغية تحقيق هدف أو أهداف معينة كفرض وجه نظر ما([10]).
إرهاب الدولة: وهو فعل ليس بالضرورة أن يكون مسلحا تقوم به الدولة ويتخذ عادة الصفة القانونية والشرعية من قبل القادمين على إدارة تلك الدولة بدافع تأديب مجموعة ما، أو إنهاء فكر ما أو الاستيلاءعلى حقوق الاخرين
المقاومة: نعني بالمقاومة هنا هي ردة الفعل التي تقوم بها دولة أو مجموعة بشرية أو فرد ما ضد اعتداء يقع عليهم من فرد أو أفراد أو جهة أو جهات أو دولة أو دول، وهذه المقاومة لها شروط معينة، منها أن تكون حقيقية وواقعية، بمعنى أن الحرب ضد تنظيم إرهابي كداعش والقاعدة وقيام هذا التنظيم بالمقاومة لا نسميه مقاومة، فينبغي أن تكون المقاومة موائمة ومطابقة للفطرة السليمة، بمعنى أن يكون المقاومون ينطلقون من رؤية واقعية لدفع الظلم الحقيقي عنهم، وهنا عدة أنواع للمقاومة، وكلها تندرج ضمن البنية المعرفية المستهدف من هذه الدراسة.
- المقاومة الفكرية: وهي قيام فرد أو مجموعة بشرية أو دولة ما، بالاعداد الفكري لمحيطهم الوطني، بغية صناعة ثقافة فكرية مقاومة، هذا النوع من المقاومة هو الأهم في كل حركات التحرر من أي استبداد أو احتلال بغض النظر عن ماهية هذا الاستبداد، ([11]) وبغض النظر عن ماهية هذا الاحتلال، والمقصود بالمقاومة الفكرية هنا، هو كل ما يتعلق بالعمل الفكري، سواء مبتكرات علمية بمختلف مخرجاتها أو اكتشافات أو تكنولوجية معلومات ونحوها ([12])
- المقاومة الاقتصادية: وهي صناعة الاكتفاء الذاتي، فهو الذي ينتج الاستقلال بكل مفاصله.
- المقاومة السياسية: باعتبارها نوعا مهما من أنواع المقاومة، ولها ميادينها في ساحات العمل المحلي والاقليمي والدولي، كنشاط مهم لفلسفة الدولة ولسياستها بصورة عامة، في مواجهة سياسية الاخرين، وربما حسمت العديد من القضايا ذات البعد العالمي والاستراتيجي سياسيا، وحالت دون تدخل القوة المسلحة كحل بديل عن المفاوضات السياسية.
المقاومة المسلحة: بوصفها الظاهرة الاكثر انتشارا، وان كانت الاقل قياسا بما سبقها، قياسا بالانواع سالفة الذكر، ولكن بما أن الاددوات والوسائل المستخدمة في هذا النوع تتمظهر في العنف المسلح، فتبدو ظاهرة قوية وذات ابعاد شعبوية وملهمة للكثيرين.
عدة سمات ينبغي أن تتصف بها المقاومة بوصفها ظاهرة إنسانية مستمرة وسوف تستمر لوقت طويل، هذه السمات هي ما يميزها عن الارهاب بوصفه مشكلة عالمية تضر بالبشرية باستمرار.
القضية:- ينبغي أن تكون القضية التي يدافع عنها المقاومون مشروعة من كل الحيثيات والجهات، سواء كانت هذه الحيثيات عقائدية أو قانونية أو شرعية، بمعنى أن لا تكون قضية خلافية، فقضايا التحرر من الاستعمار ومن الظلم ونحوهما، تعد قضايا مشروعة وحاملة لكل حيثيات المقاومة المشروعة. مع التأكيد على الوعي التام بالقضية، فالوعي بالقضية أهم من القضية نفسها.
- أهداف المقاومة: لكل فعل هدف يريد القادمون عليه الوصول إليه، فما هي أهداف المقاومة، عادة تهدف المقاومة إلى تصحيح واقع مفروض بواقع حقيقي، فاحتلال بلد ما يغير الواقع الحقيقي للبلد من الاستقلال الى الاحتلال، وكذلك باقي أنواع الاحتلال، فكل احتلال هو إرهاب بشكل ما كونه ينتج عن ظاهرة غير طبيعية وغير قانونية، بغض النظر عن شكل الاحتلال، وعليه فتحديد هدف المقاومة يساهم بصورة فعالة في تحديد آليات ووسائل المقاومه، وبالتالي يقصر من زمن الفعل المقاوم ويعطي نتائج إيجابية، فمثال حينما بدأت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الامريكي([13]) للعراق عام 2003م، وقعت المقاومة في أخطاء قاتله، منها عدم وضوح الرؤية وعدم تحديد أهداف المقاومة بصورة ثابتة ومحكمة، مضافا إلى ذلك تعدد وتشعب فصادل المقاومة وعدم وجود مجلس إستراتيجي يجمع فصائل المقاومة ويحدد أهداف المقاومة أثناء وبعد انتهاء المقاومة، أي مابعد مغادرة المحتل أو انتهاء فترة الاحتلال، مما أثر سلبا على الواقع العراقي بصورة عامة، إضافة إلى تعدد مرجعيات القرار السياسي للمقاومة والمرجعية المعرفية لها، مما سهل دخول فصائل إرهابية داخل عباءة المقاومة، بينما نلاحظ أن المقاومة الفيتنامية ([14]) ضد الاحتلال الامركي، كانت منظمة بشكل ملفت للنظر وتحت قيادة و احدة، مما حقق نتادج إيجابية لهذه الحركة، شكلت فيما بعد هزيمة قاسية للولايات المتحدة الامريكية في القرن العشرين، وعليه فتحديد أهداف المقاومة مهم لأسباب سالفة الذكر
مرجعية المقاومة: مما لا شك فيه أن أي قضية صغرت أو كبرت، لابد لها من مرجعية تحدد لها أهدافها وتضبط حركتها داخل المجتمع، هذه المرجعية هي بالضرورة مرجعية معرفية.
المصادر:
([1]) مشلح الديحاني، الأساس المعرفي للمنهج، كلية التربية، جامعة الملك سعود، قسم مناهج وطرق التدريس، ديسمبر2017.
([2]) تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة حول الارهاب والتطرف العنيف 2020.
([3]) كاظم سلمان، التطدورات السياسية في بلاد الرافددين وفلسدطين من 331 ق.م حتى عام 1000، رسالة ماجيستير، كلية الأداب جامعة بغداد، 2005.
([4]) احسان محمد الحسن، علم الاجتماع العنف و الارهاب، دراسة تحليلة في العنف السياسي والاجتماعي، (عمان: دار وائل2008).
([5]) مليكة بن زيان، العنف والمقاربات النظرية المفسرة له، جامعة سكيكدة، الجزائر ديسمبر2020
([7]) الزواوي باغورة، تسييس الدين والثورات في الحاضر الإسلامي 2015
([9]) قراءات في الثورة الروسية فلسفة الإرهـاب : من العنف الفردي حتى الثورة المنظمة، مجلة الدفاع الوطني اللبناني، 41، 2002عدد
([10]) Terrorism Inside. 2017. B, Hoffman .Press University Columbia
([11]) سفيان لوسيف، المقاومة الثقافية للاستعمار الفرنسي في الجزائر: المظاهر والانعكاس، المجلة التاريخية الجزائرية ,عدد150، 2015
([12]).Law International in Terrorism Defining. 2006. B, Saul .Press University Oxford: UK
([13]) هنري كيسنجر، هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية- نحو دبلوماسية القدرن الحادي والعشدرين-
([14]) امل خليفة، كتاب هزيمة امريكا في فيتنام، مقارنة بين التجربة الفيتنامية والتجربة الفلسطينية(القاهره:مكتبة مدبولي2005)
إعداد
سميه محمد عسله
مُحلله سياسية - باحثة دكتوراة بمجال الإعلام الأمني
التعليقات