المعروف ان المفاوضات دائما ما تسير في اتجاه إيجاد حل سياسي واستبعاد الحل العسكري وما يتبعه من سيناريو الانزلاق لحرب شاملة ولكن الوضع الآن مختلف فيما يخص المفاوضات التي تستضيفها الدوحة. فالطرفان اللذان يجلسان على طاولة المفاوضات الآن هم إثنين من القادة العسكريين سواء كان نتنياهو أو يحيى السنوار، والملفت ان كلاهما أضاع الرؤية الخاصه باستراتيجية الحرب وأصبح الانتصار من وجهة نظر نتنياهو هو حصد أكبر عدد من رؤوس المدنيين والأبرياء الفلسطينيين، للتغطية على فشله في عدم القضاء كليا على قدرات حماس العسكرية حيث أن إسرائيل وعلى مدار 10 أشهر مضت لم تستطع سوى القضاء على 30% فقط من قدرات حماس العسكرية.
ومن ناحية أخرى فإن النجاح من وجهة نظر يحيى السنوار هو عدم التنازل أمام نتنياهو واستغلال الجبهات الموحدة الآن تحت قياده إيران. والتي أجلت الرد على إسرائيل حتى تنتهي المفاوضات الان في الدوحه وتعرف نتائجها. وفيما يبدو ان المفاوضات في الدوحه قد فشلت وان الوسيط المصري اصبح يرى جيدا ان هناك عبث اسرائيلي واضح وعدم جديه في الوصول الى صفقه تنهي ازمه غزه وتعيد الاسرى الاسرائيليين الى منازلهم. وهذا ما يتفق ايضا مع تصريح وزير الدفاع الاسرائيلي جالنت الذي اتهم نتنياهو علنا وعبر وسائل الاعلام الاسرائيليه بانه سبب الرئيسي في فشل المفاوضات وعدم الوصول الى صفقه تسليم الاسرى حتى الان. مما يجعلنا كباحثين في الشان الايراني نتوقع قرب موعد الرد الايراني ولكن ننظر الان الى طبيعه الرد الايراني وقوته وتوقيته خصوصا انه تاخر لاكثر من اسبوعين بعد مقتل اسماعيل هنيه في طهران وتصريحات خامنئي ومستشاريه بان الرد سيكون قوي ومزلزل.
وتتضح معالم الرد الايراني المرتقب من خلال تقرير نشرته الامم المتحده اليوم الأربعاء، على موقعها الإلكتروني، إنها حصلت على بيان من البعثة الإيرانية، حددت فيه طهران 3 محاور رئيسية لطبيعة الرد المتوقع على اغتيال هنية، حيث تتهم الجمهورية الإسلامية إسرائيل بالضلوع في العملية، بينما لم تعلّق الأخيرة رسمياً على الاغتيال. هذه المحاور الثلاث في الرد هي معاقبة إسرائيل، وردعها عن شنّ هجمات مماثلة في المستقبل، وأن يتجنّب أي رد فعل عكسي يمكن أن يؤثر سلباً على الهدنة المرتقبة في غزة.
وبناء على تصريحات مسؤولين بارزين في النظام الايراني فإني اتوقع ان يكون الرد ايضا على مستوى استخباراتي باستهداف شخصيات اسرائيليه بارزه بحجم اسماعيل هنيه خارج حدود اسرائيل ولعل هذا السيناريو متوقع ومطروح بقوه ويتخذه الجانب الاسرائيلي في عين الاعتبار خصوصا واننا شاهدنا رئيس الموساد الاسرائيلي الذي يحضر التفاوض في قطر الان وهو يبيت ليلته داخل طائرته ووسط تامينات وحراسه مشدده خوفا على حياته من بعد هذا التهديد الايراني في وقت اعلنت فيه قطر ان المفاوضات مع حماس ستمتد الى يوم اخر.
ونرى احتماليه وقوع هذا السيناريو فيما اعلنت عنه التقارير الصحفيه في جرائد دوليه تتحدث عن تحليق طائرات مسيره تابعه لحزب الله اللبناني اهم ميليشيات ايران فوق منزل نتنياهو في تل ابيب. وليست هذه الطائره المسيره الاولى التي تقتحم سماء تل ابيب بل هناك 1200 طائره مسيره تابعه لحزب الله اخترقت تل ابيب واستطاعت تصوير احداثيات تواجد شخصيات بارزه في الحكومه الاسرائيليه وتحديد مواقع استراتيجيه مهمه تصبح نقاط استهداف فيما بعد ويمكنني القول بانه ليس الاختراق الامني الاول للجانب الاسرائيلي بل ان القبه الحديديه في احداث ابريل الماضي لم تستطع سوى صد 1% فقط من الصواريخ والمسيرات الايرانيه و 99% صدتهم الدول التي وصفتها اسرائيل بانه تحالف تم لحمايه اسرائيل ولكنه في الحقيقه كانت هذه الدول تحمي سماءها من اي خروقات ليس اكثر. ثم قيام مسيرات ايرانيه من طراز أخر بالتحليق فوق حقل كديش الاسرائيلي وتصويره قبل عمليه استهداف مجدل شمس ب 24 ساعه. مما يشير الى ان هناك سيناريو استهداف وتصفيه شخصيات بارزه في اسرائيل او استهداف احداثيات مهمه داخل اسرائيل وخارجها قد تشمل قواعد عسكريه وفقا التي نشرتها ايران مؤخرا او منشات نوويه اسرائيليه ولكن ان حدث ذلك فاننا سنكون على مقربه خطوات من حرب عالميه ثالثه مرجح ان تكون نوويه خصوصا وان هناك بعض المؤشرات على ذلك وهو امتلاك ايران لكميات كبيره من اليورانيوم المخصب بنسب تفوق 30 ضعف المسموح بها وكذلك تلويح روسيا بانها قد تستخدم النووي في حربها مع اوكرانيا ونرى المؤشر على احتماليه وقوع هذا السيناريو من خلال توجيهات اداره الرئيس بايدن للجهات المسؤوله داخل امريكا على ضروره الالتفاف وبقوه للبرنامج النووي الصيني بالاضافه الى الروسي معا. وفرض حاله التأهب والاستعداد لاي تصعيد نووي قد يحدث في المنطقه الايام القادمه.
ويمكن ان نتوقع حدود الرد الايراني ايضا فيما قامت به طهران من هجمات سيبرانيه على حمله المرشح الرئاسي الامريكي دونالد ترامب وكذلك حمله كامالا هاريس مما يشير الى ان ايران ممكن ان ترد من خلال هجمات سيبرانيه على الولايات المتحده واسرائيل علما بان ايران تعد خمس اقوى كان سيبراني في العالم وقادره على فعل ذلك واحداث خسائر اقتصاديه وامنيه داخل اسرائيل. وهذا امر ليس ببعيد خصوصا وانه خلال الشهر الماضي كان هناك اكثر من هجمه سيبرانيه على البنوك الامريكيه تكبدت فيها الولايات المتحده خسائر اقتصاديه.
وهناك احد السيناريوهات المطروحه ايضا في الرد الايراني على اسرائيل تتمثل في هجمات مجمعه وفرديه يبداها حزب الله اللبناني على اسرائيل وتليها ضربات اخرى من داخل العمق الايراني لتصيب العمق الاسرائيلي من ثم تاتي دور الميليشيات الايرانيه في المنطقه لتستكمل الضربات المتتاليه على اسرائيل ولكن ايران اكدت على ان هذه الضربات لن تفضي الى حرب شامله وستراعي الخطوط الحمراء التي وضعتها اسرائيل في الرد. وهذا لا ينفي ان اسرائيل يمكن ان تستغل الرد الايراني حتى وان كان ضعيفا ولم يترتب عليه خسائر في ان توجه ضربات اعمق لايران تفضي لحرب اقليميه خصوصا وان هناك انقسام في الموقف الداخلي في اسرائيل هناك من يسعى لحرب شامله حفاظا على بقائه في الحكم وهو نتنياهو وهناك موقف اخر يعبر عنه وزير الدفاع الاسرائيلي والعديد من المسؤولين في الحكومه الاسرائيليه الذين يسعون لعقد صفقه مع حماس باي طريقه ويعلمون جيدا ان حماس مستفيده جدا من مساله توحيد الجبهات والساحات الايرانيه ضد اسرائيل والتعاطف الدولي الذي حصلت عليه ايران بعد مقتل اسماعيل هنيه داخل اراضيها واستهداف العديد من القاده السياسيين والعسكريين لدى محور المقاومه.
مجمل القول ان الرد الايراني اصبح قريب وخصوصا بعد فشل غير معلن لمفاوضات قطر ولكن الاداره الامريكيه الحاليه لا تسعى للتصعيد مع ايران وتحاول ان لا ينزلق الامر الى حرب شامله وصراع اقليمي في وقت لم تحسم فيه نتائج الانتخابات الامريكيه بعد وسط مخاوف ايرانيه من ان يفوز دونالد ترامب بالرئاسه ويوجه ضربات اقتصاديه قويه لايران باعاده العقوبات عليها بشكل مضاعف ومن خلال ذلك يمكننا ان نتوقع ان الولايات المتحده ومن خلال رؤيتها الرافضه لصراع اقليمي ستحاول الضغط على اسرائيل بان لا تقوم الاخيره بضربه استباقيه على الجانب الايراني والميليشيات التابعه وان تعطي حق من ايه حق الرد ضمن الخطوط الحمراء التي وضعتها اسرائيل بل ان اي ضربه استباقيه موجعه لطهران وميليشياتها سيقودنا الى السيناريو الأسوأ بحرب إقليمية لا نعرف متى تنتهي.
التعليقات