حالة شد وجذب في التصريحات الأمريكية والاوروبية إتجاه خروقات إيران في برنامجها النووي. ما بين موقف بريطاني فرنسي يدعو لمشروع قرار "يلوم" إيران في إنتهاكها لبنود الإتفاقية النووية الموقعة عام 2015 وموقف أمريكي رافض وبشدة لأي تصعيد ضد إيران في الوقت الحالي. ما يدفعنا كباحثين إلى أن نلقي الضوء على اسباب هذه المواقف المتناقضة إتجاه ايران. و إمكانية أن تكون هذه المواقف مرتبطة بعامل الوقت الذي تعيشه المنطقة من أزمات جيوسياسية تعد الولايات المتحدة وايران أطراف رئيسية فيها، أو أن الأمر يعود إلى تغير في الأنظمة السياسية داخل كل من طهران والولايات المتحدة. وليس بعيداً أن نعزي السبب إلى قرب الإنتخابات الرئاسية في كلا البلدين سواء كان ذلك في ايران التي تستعد لانتخابات رئاسية مبكرة بعد مقتل رئيسها ابراهيم رئيسي ،أو داخل البيت الأبيض حيث أصبحت فرص إدارة الديمقراطيين برئاسة بايدن ضعيفة أمام الجمهوريين بزعامة الرئيس السابق ترامب . ولكننا في كل الأحوال لا يمكن أن نغض النظر عن نسبة تخصيب اليورانيوم في ايران التي تجاوزت 30 ضعف النسبة المسموح بها بموجب الاتفاقية النووية التي انسحبت منها امريكا رسميا عام 2018 . وتعلق ايران السبب في إنتهاكاتها النووية على الخلاف بينها وبين وكالة الطاقة الذرية حول اتفاقية الحد من الإنتشار النووي الذي تؤكد ايران إلتزامها ببنودها وفي مقدمتها إختيار الملالي للعناصر التي تقوم بالتفتيش على برنامجها النووي،ومن ناحية أخرى الإتفاقية النووية الموقعة في 2015والتي ترى ايران أنها إنتهت مع إنسحاب امريكا رسمياً عام2018.
اعتبارات جيو سياسية:
حيث تنتشر العديد من الصراعات في المنطقة حاليا و التي تشترك فيها الولايات المتحده الامريكيه وايران كأطراف اساسية ذات دور مباشر أو من خلال وكلاءها بالمنطقة. فعند الحدود البحرية اليمنية ستجد جماعة الحوثي التابع لايران تستهدف المصالح الامريكية الاسرائيلية بل والدولية في البحر الاحمر. رداً على ما تقوم به إسرائيل من مجازر داخل غزة ورفح الفلسطينية مؤخرا .وتتصاعد وتيرة الهجمات الحوثية مع تصاعد الهجمات الاسرائيلية على المدنيين في غزة بدعم امريكي غير محدود من الأسلحة والقنابل الذكية والدعم المالي الذي وصل مؤخرا الى اكثر من 14 مليار دولار دعما لحكومة نتنياهو، وبموافقة من الكونجرس الامريكي. وهنا يبرز فشل إدارة الرئيس بايدن التي عجزت عن الضغط على حكومة نتنياهو لإنهاء حرب غزة وكذلك عجزت عن تحييد الموقف الايراني والمليشيات التابعة لطهران والتي ترفع شعار الثأر لشهداء غزة الذي وصل عددهم الى اكثر من 35 الف شهيد وعشرات الالاف من الجرحى. ما يشير إلى ان الرئيس بايدن يحاول أن يصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد رغم علمه بحتمية الفشل. إن سياسة الولايات المتحدة في التعامل مع الازمة الجيوسياسيه تعتبر أزمة أخرى في حد ذاتها، خصوصا مع تلك الازمات المتصله سياسيا وجغرافيا مع طهران رغم المسافات التي تفصل ما بين القارتين الى أن البلدين هما شريكين أساسيين في الصراعات على الحدود الجغرافيه الفلسطينيه واللبنانية والسورية الان وكذلك الحدود البحريه اليمنية. ويظهر فشل السياسة الامريكيه في حل الازمه او حلحلتها في إستمرار إدارة الديمقراطيين الامريكان بالضغط على كل نواب الكونجرس الامريكي لتسديد فواتير الطفل المدلل إسرائيل والتي كلفت الولايات المتحده ربع تريليون دولار دعم عسكري لاسرائيل منذ الاعلان عن قيام الكيان الاسرائيلي 1948 حتى الان.بالاضافة الى الصورة الدولية السيئة لامريكا امام العالم بسبب عجزها حتى عن تلبية نداء المتظاهرين الامريكان من الطلاب في 55 جامعه امريكيه،الرافضين لاستمرار المجازر في غزه. بل كل ما استطاع الرئيس بايدن فعله هو اعتقال الطلاب واستمرار تقديم الدعم بشتى انواعه لاسرائيل للحفاظ على اللوبي اليهودي الداعم للرئيس الامريكي خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسيه الامريكيه. ومن ناحيه اخرى محاوله الاداره الامريكيه تحييد الموقف الايراني من خلال صرف اكثر من 20 مليار دولار لايران عبر البنك المركزي العراقي وغيره مما أدى إلى إنتعاشة اقتصاديه ايرانيه ولو بشكل مؤقت. وكذلك التحرك الامريكي اليوم برفض مشروع القرار الذي تسعى اليه فرنسا وبريطانيا بتوجيه اللوم لايران بسبب الخروقات النوويه. ورفض ايران استئناف عمل بعثه الطاقه الذريه للتفتيش على المعامل النوويه الايرانيه بعد ان وجد مبعوثي وكاله الطاقه الذريه اثار نوويه في ثلاث مواقع ايرانيه قبل اشتعال حرب غزه بفتره قصيره .وهنا ايضا يبرز استغلال ايران للحروب والازمات الدولية في محاوله لفت الانظار بعيدا عن برنامجها النووي واستغلال الوقت في تخصيب المزيد من اليورانيوم وضخ مزيد من اجهزه الطرد المركزي الحديثه داخل المعامل السريه النوويه. ولا يمكن في كل الاحوال ان ننفي علم الولايات المتحده واسرائيل بالنسب الحقيقيه لتخصيب اليورانيوم في ايران وعدد المعامل النوويه السريه وتجهيزاتها خصوصا وان الهجمات الاسرائيليه الاخيره على ايران استهدفت مناطق بالقرب من منشات نوويه سريه وفاعله في ايران في رساله مبطنه فحواها ان تل ابيب وواشنطن على علم بمستجدات البرنامج النووي الايراني وحجم التخصيب واحداثيات المعامل السريه.ومنها معمل فوردو ونطنز والمعامل بالقرب من قاعدة هاشتن شيجاري في أصفهان التي استهدفتها اسرائيل مؤخرا. ورغم علم الولايات المتحده بكل ما ذكرته إلا انها ترفض مزيد من التصعيد في الوقت الحالي مع ايران وتاخذ في عين الاعتبار التهديدات الجيو السياسيه المحيطة بالطفل المدلل اسرائيل والذي لا يحتمل ابدا الدخول في حرب مفتوحه مع ايران واذرعها بالاضافة الى حرب مع المقاومه الفلسطينيه في غزه والحرب الاكبر التي توشك ان تنفجر في اي وقت مع الجانب المصري في حال استمرت اسرائيل في انتهاكاتها داخل رفح ونقضها لكامب ديفيد.
تغيير الأنظمة السياسية في ايران وامريكا:
قولاً واحداً فإن منصب الرئيس في كل من ايران والولايات المتحده هو منصب شرفي مع إختلاف الايدلوجيا. وان الحاكم الفعلي للبلدين هو الدوله العميقة متمثلة في اللوبي اليهودي في امريكا ونظام الوالي الفقيه في طهران. ولكن الاختلاف بين الانظمه السياسيه المتعاقبه داخل البلدين قد يأتي ببعض الشخصيات القادره على ايجاد حلول سياسية بعيدا عن التصادم. فسنجد الولي الفقيه وقد عين علي شاخاني مسؤول التفاوض في الملف النووي الايراني وهوالأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني واحد الرجال المقربين من علي خامنئي. وتشهد الاوساط الايرانيه لهذا الرجل بأنه استطاع صنع جسور للتفاهم ما بين ايران وجيرانها الخليج العربي وعلى راسهم السعوديه في اتفاقيه التطبيع الاخيره بوساطه صينيه روسيه. ولعل ذكر اسم شامخاني في هذا التوقيت ليس فقط لابداء رغبة النظام الايراني التفاوض في الملف النووي مقابل رفع العقوبات بإختيار شخص مرن في التفاوض بل من المحتمل ايضا ان يكون تمهيد لطرح هذا الاسم كمرشح للرئاسه خلفا لي الرئيس المقتول في حادث الهليكوبتر ابراهيم رئيسي. وليست الخطوه الايرانيه الوحيده في هذا الاتجاه فمؤخرا طلبت ايران من الولايات المتحده مساعدتها في العثور على الطائره المحطمه للرئيس الايراني مما يترك الباب الخلفي مفتوح لاي محادثات تتم بين امريكا وايران كالتي تجري الان في عمان بشكل غير مباشر.
وبالنسبه للولايات المتحده الامريكيه فهناك مخاوف من اقتراب الانتخابات الرئاسيه دون ان يصل الديمقراطيين برئاسه بايدن الى حلول مرضيه لكل من الانتهاكات النوويه الايرانيه و ووضع الميليشيات التابعه لايران وفي مقدمتهم الحوثي والتحركات الاجراميه لاسرائيل في غزه خصوصا ان كل ما ذكر متصل اتصال مباشر ببعض لذلك نرى صدى هذه المخاوف في تحرك امريكا السريع لوقف مشروع قرار فرنسي بريطاني يلوم ايران في انتهاكاتها النوويه ويسعى الاسترضاء النظام الايراني من خلال فتح ابواب خلفيه للحوار عن طريق اجتماعات عمان التي جمعت الطرفين الامريكي والايراني في حوار غير مباشر تسعى فيه امريكا لتحجيم قدرات ايران النوويه وتسعى فيه ايران للتمادي في خروقاتها النوويه ورفع العقوبات عنها.
مجمل القول اننا لا نتوقع قريبا ان نشهد تحرك ايجابي من ايران بالتزام الشفافيه والتصريح عن ماذا تطور برنامجها النووي والسماح لمبعوثي وكاله الطاقه الذريه بالتفتيش والكشف على الكاميرات المراقبه كذلك لن تنحصر قدرات الازرع التابعه لايران والتي اعلنت استهدافها لاسرائيل من داخل العراق واليمن ردا على مجازر رفح بالامس لذلك لا نتوقع ان يتراجع دوري ايران في هذه الملفات الخطره الا مع وجود ضغط دولي قوي وهذا لن يحدث في ظل جانب اوروبي لديه تقصير في تسديد التزاماته الماليه لايران ومهدد من قبل خلايا ايرانيه اخترقت المجتمع الاوروبي وكذلك ضعف الموقف الامريكي الذي يضع مصلحه اسرائيل في المقدمه وتسبق حتى الامن القومي الامريكي كما اننا لا نتوقع ان يكون تغيير بعض الرموز في المشهد السياسي الايراني قادر على تغيير عقيده ايران النوويه وعلى مستوى الميليشيات بل ان الامر هو مجرد كسب مزيد من الوقت لمواجهه موجه عاليه تستدعي من كافه اطراف الازمه في غزه والبحر الاحمر الانحناء قليلا حتى تمر بسلام ولا اعتقد ابدا على مستوى ايران ان يكون تعيين علي شميخاني مسؤول التفاوض في البرنامج النبوي هو مؤشر على نيه ايران الالتزام ببنود بالاتفاقيه النوويه لعام 2015 بل هو مجرد اثبات مؤقت لصدق النوايا لحين انتهاء الازمه الايرانيه داخليا وخارجيا ويتجلى ذلك ايضا في رفض ترشح السياسي والاكاديمي البارز جلال زاده لمنصب رئيس ايران وذلك لانه سني المذهب وفقا للماده 115 في الدستور الايراني التي تمنع اي شخص مخالف للمذهب الشيعي من الترشح للانتخابات.واليوم يتم اعلان سعيد جليلي كمرشح للرئاسه الايرانيه وهو رجل اصولي متشدد وكان امين المجلس الأعلى للأمن القومي.إنسحب من إنتخابات السابقة2021 والتي جاءت إبراهيم رئيسي. ورغم ذلك كانت هناك رساله ايرانيه خلف الاعلان عن اسم سعيد جليلي الملقب بالشهيد الحي، وذلك لانه فقد احدى الساقيه في حرب العراق.
تتجلى في الاعلان عن اسم مرشح لو تتبعنا مسيرته العلميه سنجد بالرغم من انه اصولي متشدد إلا انه منفتح على الفكر الاصلاحي حتى وان كان غير متأثر به ،تجلى ذلك في اطروحته للماجيستير بعنوان (السياسة الخارجية للنبي) ومستشاره في هذه الأطروحة حميد بهرامي،عضو"منظمة مجاهدي خلق"وبالنسبة لرسالته للدكتوراة كانت بعنوان(التعبير عن الفكر السياسي للإسلام في القرءان) والمشرف عليه حسين بشيريه(رجل مؤثر في فكر التيار الإصلاحي في ايران) مما يبرز الازدواجيه لدى هذه الشخصيه المرشح للرئاسه ما بين اصول متشدد الى شخص مرن مع الاراء الاصلاحيه المخالفه دون اخذها في عين الاعتبار.
التعليقات