أعلنت الحكومة الإيرانية، اليوم الإثنين، وبشكل رسمي مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان والممثل عن المرشد الإيراني في محافظة أذربيجان وجميع من كانوا على متن الطائرة التي سقطت في منطقة حدودية وعرة على الحدود ما بين أذربيجان وإيران، خلال افتتاح الرئيس الإيراني ونظيره الأذربيجاني للسد الثالث ما بين البلدين. ليتضح لنا أن هناك لعنات جديدة تصيب القادة على مستوى العالم بدءا من لعنة السدود المائية وصولا إلى لعنة الطائرات. فهذا هو رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أصابته لعنة السد الذي جلب له ولبلده العقوبات والغرق في الديون والخسائر الاقتصادية الفادحة. وهذا هو الرئيس الإيراني الذي لاحقته لعنة السدود والطائرات معا فكان له النصيب الأكبر من لعنات السدود والطائرات معا.
ان الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي لم يكن بمثابة رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية فقط بل كان المرشح الأبرز لتولي منصب المرشد الأعلى خلفا لـ"علي خامنئي" ويعد هو المنافس الأول لمجتبى نجل علي خامنئي على مقعد المرشد بل أن البعض ذهب إلى حتمية تولي إبراهيم رئيسي منصب المرشد خلفا لعلي خامنئي وخلال فترة انتقالية قبل تولي مجتبى هذا المنصب وهي فترة انتقالية تصل إلى سنة ونصف في حال موت خامنئي.
ولطالما كانت الكتلة الغربية متمثلة في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل ترى أن إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان يشكلون حجر العثرة تجاه أي مفاوضات فيما يخص الملف النووي الإيراني وكذلك تحجيم دور الأذرع التابعة لإيران في المنطقة وعلى رأسها الحوثي الذي يهدد المصالح الدولية الآن في البحر الأحمر، بزعم نصرة القضية الفلسطينية ودعما لمحور المقاومة في التصدي لجرائم إسرائيل داخل غزة والضفة الغربية على سواء.
وعن آلية اختيار الرئيس الايراني في هذه الظروف فإن المادة 131 من الدستور الإيراني تنص على:
"في حالة وفاة رئيس الجمهورية، أو عزله، أو استقالته، أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة رئاسة الجمهورية وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية نتيجة وجود بعض العقبات أو نتيجة ظروف مشابهة، يتولى النائب الأول لرئيس الجمهورية مهام رئيس الجمهورية، ويتمتع بصلاحياته بموافقة القيادة، وعلى هيئة مؤلفة من رئيس مجلس الشورى الإسلامي ورئيس السلطة القضائية والنائب الأول لرئيس الجمهورية أن تحضّر لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال خمسين يوماً على الأكثر. وفي حالة وفاة النائب الأول لرئيس الجمهورية أو وجود أمور أخرى تحول دون قيامة بواجباته، وكذلك في حال لم يكن لرئيس الجمهورية نائب أول، تعين القيادة شخصاً مكانه".
وقد قام خامنئي منذ ساعات بإعلان تولي محمد مخبر نائب الرئيس منصب رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمدة أقصاها 50 يوما يتم خلالها إجراء انتخابات لاختيار الرئيس. وهو الرجل الذي تلاحقه العقوبات الدولية المرتبطة بفساد كان يرعاه خلال توليه منصب الإدارة في أحد البنوك الإيرانية، من خلال تسهيل قروض حصل عليها مجتبى نجل علي خامنئي. ورغم ان آخر انتخابات تمت في إيران الأسبوع الماضي وقد كانت انتخابات برلمانية لم تشهد إقبال شعبي حيث وصلت نسبة الإقبال على الانتخابات 8% فقط من الشعب الإيراني الذين أدلوا بأصواتهم ما يشير إلى أن الشعب الإيراني قد سئم من وجود عملية ديمقراطية شاملة في الجمهورية الإيرانية. وأنه في كل الأحوال سيأتي الولي الفقيه بأتباعه ليتولوا المناصب القيادية في الدولة.
فلا جديد يمكن أن يقدمه رجال خامنئي للشعب الإيراني. فطالما علت الأصوات الشعبية الإيرانية من كافة الأطياف ومستويات الثقافة والتعليم والفئات العمرية المختلفة منددين جميعهم بقمع الحريات وتكميم الأفواه داخل إيران في ظل حكومة إبراهيم رئيسي ومن قبله حكومة روحاني التي أفضت إلى دولة تعاني من انهيار في البنية التحتية ومعدلات تضخم تجاوزت 50% ومؤخرا هناك تقارير تشير إلى أن العملة الإيرانية فقدت 25% من قيمتها خلال الأشهر القليلة الماضية. وقد عجزت حكومة إبراهيم رئيسي عن إيجاد حلول لهذه الأزمات الاقتصادية والإنسانية والسياسية على مدار السنوات الماضية. اخفاقات حكومة إبراهيم رئيسي صنعت ضغط شعبي إيراني كبير على المرشد الأعلى علي خامنئي ونظامه والبرلمان الواقع تحت سيطرته بشكل غير مباشر. وصلت حد المظاهرات التي رجت الشوارع الإيرانية على مدار ثلاثة أشهر متواصلة في حادث مقتل مهسى أميني على يد قوات البسيج التي أنشاها النظام الإيراني "لضرب الشعب بالشعب" وصنع كتيبة مدنية تنفذ توجيهات المرشد وحرسة الثوري ولكن تحت غطاء عسكري.
هل أصبحت حكومة إبراهيم رئيسي عبء على المرشد؟
ما جعل المرشد الإيراني علي خامنئي يشعر في وقت من الأوقات أن حكومة إبراهيم رئيسي والتي تشمل وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان بمثابة صداع في رأس المرشد. لم تأتي بحلول للأزمات بل ساهمت في خلق أزمات جديدة على مستوى داخلي إيراني وعلى صعيد دولي. رأيناه جليا في فشل مفاوضات فيينا التي انعقدت لأكثر من دورتين دون الوصول إلى حلول ترضي كافة الأطراف في الملف النووي الإيراني وتساهم في تخفيف حدة العقوبات الدولية على إيران. وقد شاهدنا آثار هذه العقوبات في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني المقتول إبراهيم رئيسي أمس حيث كانت الطائرة صناعة أمريكية من طراز قديم تعود إلى زمن الشاه. وقد عجزت إيران عن استيراد طائرات جديدة بسبب العقوبات الأمريكية الموقعة على قطاع الطيران في إيران. وفق آخر احصائية لعام 2021 تشير إلى أن 50% من طائرات إيران متوقفة بسبب نقص قطع الغيار كذلك فأنه في عام 2016 طلبت إيران 580 طائرة على مدار 10 سنوات مقبلة لتجديد أسطولها الذي يبلغ 300 طائرة فقط، ولكن الطلب الإيراني قوبل بالرفض بل أنه في عام 2018 شملت العقوبات الأمريكية الطائرات الفردية الإيرانية ومنعت الولايات المتحدة إيران من استيراد الطائرات حتى تلك التي تحتوي على 10% من قطع الغيار الأمريكية.
وقد طالبت إيران بـ200 طائرة من شركة تصنيع غربية ولم تستلم سوى ثلاث طائرات ايرباص و13 محرك من فرنسا وإيطاليا وكان ذلك قبل أن تدخل إيران حيز العقوبات الامريكية عام 2018. وقد قدمت شركة مهان وهي إحدى شركات الطيران الإيرانية العديد من الشكاوي لعدم حصولها على قطع غيار لأسطول طائراتها تزامنا مع شكاوي كثيرة لشركات طيران إيرانية أخرى بسبب عزوف السياح الإيرانيين عن ركوب الطائرات الإيرانية خوفا على حياتهم. ولكن شركة مهان للطيران لم تستسلم وقد كانت تلتف على العقوبات الأمريكية بتسيير رحلات إلى ميلانو وبرشلونة بنفس السياسة الإيرانية التي كانت تقوم على اسعاف الاقتصاد الإيراني عبر الالتفاف على العقوبات الأمريكية على النفط وتصديره إلى الصين بأسعار مخفضة.
عطل فني أم محاولة اغتيال؟
جميع المؤشرات حتى الآن تشير إلى أأنه محاولة اغتيال للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته وقد نجحت بالفعل. فعلى سبيل المثال كيف لرئيس الجمهورية الإيرانية أن يغامر بحياته ويصعد للطائرة لحضور حدث ليس بالأهمية الكبيرة رغم تلقيه تحذيرات بخصوص سوء الطقس والضباب وكيف للطائرتين المرافقتين لطائرة الرئيس أن تعودا سليمتين دون خدش، وكيف لطائرة الرئيس في ظل هذه الظروف المناخية الصعبة أن تقلع دون مضاعفة التأمين عليها وتزويدها بأحدث أنظمة الملاحة، ولما تحرك طاقم الإسعاف بعد ساعتين ونصف من الإعلان عن فقد طائرة الرئيس، وهل الخلية التي تم تكوينها والمنوط بها تتبع الأمر وإيجاد حلول جميعها من الوزراء إذا فأين هم الأطباء والفنيين الأخرين.
أين هو وزير الصحة على أقل تقدير من هذه الخلية. مع ضرورة إلقاء الضوء على تخبط التصريحات الإيرانية من قبل قادة الحرس الثوري الإيراني وكذلك تخبط الرسائل الإعلامية الإيرانية ما بين نفي وتأكيد في نفس اللحظة. ما يشير إلى أن راس النظام علي خامنئي كان لديه معلومات موثوقة حول الحادث ولكن إعلانها كان مثابة وقت وذلك يعود لتخوف النظام من الانقسامات التي قد تحدث داخل المنظومة العسكرية الإيرانية وردود الأفعال الإيرانية على مستوى شعبي حيث أن الجمهورية الإيرانية لم تتخطى تبعات الفوضى والمظاهرات المطالبة بإسقاط النظام من بعد حادث مقتل الفتاة الإيرانية مهسة أميني.
وان كان سيناريو اغتيال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مطروح وبقوة الآن فهذا سيأخذنا إلى تساؤل أهم لماذا في هذا التوقيت يتم إسقاط طائرة تحمل رئيس إيران ووزير خارجيته معا. هل هي محاولة جر المنطقة لصراع إقليمي للفت الانظار بعيدا عن مشروع نوفوروسيا الذي يقف عند حدود الأراضي الأوكرانية. أم هو محاولة تخفيف العبء عن الولايات المتحدة وأوروبا في هذه الحرب، أم أنه للفت الأنظار بعيدا عن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يقف عاجز عند الحدود المصرية الفلسطينية والموقف الثابت للرئيس السيسي الرافض للتنازل عن سيناء والموقف الأردني الرافض لتصفية القضية الفلسطينية على حساب سيادة الأردن على أراضيها. ان كانت أصابع الاتهام تشير إلى الكتلة الغربية كمنفذ لعملية مقتل الرئيس الإيراني ونقل الصراع إلى الحدود الإيرانية فان ذلك لن يجعل أوروبا والكتلة الغربية في مأمن من العربدة الحوثية في البحر الأحمر التي ستطال المصالح الدولية كافة ولن يكون ورقة للضغط على إيران للتراجع بضع خطوات في ملفها النووي، وهذا ما وضحته صحيفة معاريف الإسرائيلية التي قالت إن مقتل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته لن يشكل ضغط إيجابي على إيران للتراجع في الملف النووي ودعم الأذرع التابعة لها وعلى رأسهم الحوثي الذي يقوده هجمات على المصالح الدولية في البحر الأحمر بزعم دعم أهل غزة.
تضارب الرسائل الإعلامية لم يقف عند إيران فقط بل وصل إلى إسرائيل حيث ذكرت صحيفة يدعوت أحرانوت أن إبراهيم رئيسي كان من أشد الكارهين للدولة الإسرائيلية وكان ينكر مجزرة الهولوكوست. وقد اضطرت بعد الصحف الإسرائيلية ومنهم صحيفة هيوم الإسرائيلية بالبدء في تبرئة إسرائيل من حادث مقتل الرئيس الإيراني وقبل أن يوجه لإسرائيل أي إتهام وقبل الإعلان عن مقتل إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته وهذا هو الملفت في الأمر.
وهناك سيناريو أخر لمقتل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته يسير في إتجاه اتهام نظام المرشد بالتواطؤ في تقديم معلومات سهلت عملية اغتيال إبراهيم رئيسي وأمير عبد اللهيان. خصوصا أنه بعد مقتل قاسم سليماني بعام واحد قام النظام الإيراني باعتقال وإعدام بعض ضباط الكبار في الحرس الثوري بتهمة التجسس لصالح الموساد وإعطاء معلومات عن الضباط الإيرانيين. وهذا السيناريو يدعم رؤية أن حكومة رئيسي أصبحت عبء على المرشد علي خامنئي وخطر يهدد نجله مجتبى خامنئي كوريث لمقعد المرشد الإيراني. وان فرضنا صحة هذا السيناريو فان النظام الإيراني يسير وفق رؤية ضرب عصفورين بحجر واحد فهو تخلص من نظام سياسي يشكل عبء على المرشد والدولة الإيرانية ويسبب لهم الحرج الدولي وفي نفس الوقت هو ضغط على الجانب الإسرائيلي المتهم الأول في هذا الحادث. بهدف توريطه و إضعاف موقفه دوليا.
التعليقات