* في «صالون هدى» الشعب الفلسطيني خائن ومتواطيء .. ورجال المقاومة يعيثون في الأراضي الفلسطينية فساداً
* .. وفي «فرحة» إلمام دقيق بالقضية الفلسطينية ووعي حقيقي بلا خطابة أو زعيق
جمعت مسابقة البحر الأحمر للأفلام الروائية الطويلة، التي شاركت في الدورة الافتتاحية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، بين فيلمي «صالون هدى» (فلسطين / 88 دقيقة)؛ تأليف وإخراج هاني أبو أسعد، و«فرحة» (الأردن / 92 دقيقة)، إخراج دارين سلام، اللذان يتناولان القضية الفلسطينية، والصراع العربي – الإسرائيلي؛ عبر وجهتي نظر شديدتي التناقض، وموقفين غاية في التباين، وكأننا بصدد صراع بين طرفين لا نعرفهما!
في فيلم «صالون هدى»، اختار المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، أن تدور الأحداث في مدينة بيت لحم، الواقعة في الضفة الغربية، والتابعة للسلطة الفلسطينية، ليطرح قصته، التي قيل إنها مستوحاة من أحداث حقيقية، وتتناول مأساة «ريم» (ميساء عبد الهادي)، الزوجة الشابة، والأم للطفلة «لينا»، التي تُفاجأ بأن صديقتها «هدى» (منال عوض)، صاحبة محل تصفيف الشعر، استغلت غفلتها، وصورتها في وضع مُخل؛ بغرض ابتزازها، وتجنيدها للعمل معها لحساب استخبارات العدو، لكنها ترفض، قبل أن تستيقظ على كابوس، عقب علمها بالقبض على «هدى»، بواسطة رجال المقاومة، والاحتمالات الأكيدة بأن تضعف، وتنهار، وتعترف بعضوات الشبكة، اعتماداً على صور ابتزازهن !
قضية غاية في التهافت السينمائي، والابتذال الفكري، واللاوعي السياسي، رغم المحاولات المستميتة التي سعى «أبو أسعد» لاسباغ أهمية، وجدية، عليها، بالقول إنه يتحدث عن الخيانة، الولاء، الكبت، القهر، والحرية، بينما هو يُشير إلى الذكورة الفلسطينية الهشة، مُقارنة بقوة المرأة، في حال استقلالها الاقتصادي؛ فالزوج «يوسف» (سامر بشارات) ضعيف الشخصية، «ابن أمه»، يرتاب في سلوك زوجته «ريم»، ويظنها تخونه مع رجل آخر، و«هدى»، صاحبة الصالون، لديها قناعة بأنها لم تُجرم في حق نفسها، وأولادها، وزوجها، وفي وقاحة منقطعة النظير، تقول إن «المجتمع الذي يمارس الظلم على حاله، صار سهل يحتلوه»، وكأن المخرج يُبرر الاحتلال، بل يلتمس له العذر لو بطش، ونكل، واغتصب، مادام الشعب الفلسطيني خانع، والظلم يطال الجميع !
صورة أخرى غاية في البشاعة، قدمها «أبو أسعد»، في فيلمه، لرجال المقاومة، الذين يعيثون في الأراضي الفلسطينية، التابعة للسلطة، فساداً، ويعتقلوا الفلسطينيين، كما يستحلوا نساءهم؛ بحجة أنهن خونة، وينبغي عقابهن بالقتل، وبينما «المُحتل» غير مؤثم، ولا مُذنب، يصور المخرح،وهو نفسه كاتب الفيلم، ما يجري من انتهاكات في حق الشعب الفلسطيني، بأنه «صراع أجهزة» بين الفلسطينين أنفسهم، مُجسدة في قائد المقاومة «حسن» (علي سليمان) و«موسى»، رجل المخابرات القوي، وبينهما تحول الشعب الفلسطيني إلى ضحايا!
الدرس البليغ
في المقابل تدور أحداث فيلم «فرحة»، إخراج الأردنية من أصل فلسطيني دارين سلام، التي كتبته مع ديما عزار، في فلسطين عام 1948؛ أي عام اغتصاب المُحتل للأراضي الفلسطينية، وتهجير أهلها، أو قتلهم بدم بارد؛ حيث الفتاة «فرحة» (12 سنة)، الطموحة، المتطلعة للذهاب إلى المدينة لتُكمل دراستها، مع صديقتها المُقربة «فريدة»، لكن النكبة، والطعنة الغادرة، أجهضت حلمها، وشردت عشيرتها، ما اضطر والدها لاخفائها في مخزن قديم، وفي 92 دقيقة، هي مدة الفيلم، نجحت «دارين»، في تلقين الجميع درساً سينمائياً بليغاً في الدفاع عن الحقوق التاريخية للفلسطينيين، وفي قرابة 52 دقيقة، هي مدة وجود الفتاة حبيسة في المخزن، وببراعة فائقة في استخدام حركة الكاميرا، واختيار الزوايا، وكلها من خلال ثقب في الباب الخشبي المُغلق، أو كوة في الجدار، أبهرتنا بلغة سينمائية رائعة، وفهم دقيق لزمن اللقطة، والرسالة منها، ولم تُشعرنا، مُطلقاً، بالاختناق نتيجة ضيق المكان، وبسلاسة منقطعة النظير خلقت إيقاعاً لاهثاً ورصيناً، قوامه التلصص، عبر الباب الذي يعزلها عن العدو، وكيف صارت الطفلة امرأة بفعل الاكتشافات التي لم تخطر لها على بال، كما كشفت المخرجة عن إلمام حقيقي بالقضية الفلسطينية، ورغبة صادقة في حشد التعاطف معها، من دون خطابة أو مباشرة أو زعيق، بل بموضوعية تستحق الثناء، ناهيك عن براعتها في إدارة الممثلين، وعلى رأسهم الشابة كرم طاهر، التي جسدت شخصية «فرحة».
المثير أن فيلم «فرحة» اعتمد، أيضاً، على قصة حقيقية للصبية الفلسطينية «رضية»، التي هُجرت، قسراً، إلى سوريا، بعد ما اغتصب «الكيان» أرض وطنها. لكن الفارق كبير بين «فرحة» و«صالون هدى»؛ بسبب وحيد هو الوعي؛ فقد كان بمقدور المخرجة دارين سلام أن تصنع «فيلماً نسوياً خالصاً»، لكنها أدركت أنها بصدد قضية وطنية، جادة، وحيوية، أهم بكثير من أن تتفرغ للدفاع عن قضايا بنات جنسها . واللافت هنا أنها ليست المرة الأولى، التي تتصدى فيها دارين سلام، للبحث في قضية الصراع العربي – الإسرائيلي؛ ففي عام 2016 أنجزت فيلماً قصيراً بعنوان «الببغاء»، طرح فكرة رائعة عن عائلة فلسطينية هُجرت من بيتها لتسكنه عائلة يهودية، لكن «الببغاء»، الذي تركته العائلة الفلسطينية راح ينغص على العائلة الدخيلة حالها، ويُكدر صفوها، وكأنه يحمل ذاكرة العائلة الفلسطينية، والقضية برمتها، ويفضح الدخلاء، وهو ما يوحي بأن دارين سلام صاحبة مشروع وطني حقيقي، وليس فقط مخرجة تملك لغة ثرية، وفكراً محترماً، بينما لا نستطيع، في المقابل، تجاهل أن «هاني أبو أسعد» شريك في إنتاج فيلم «أميرة»، الذي أخرجه محمد دياب، ويتناول في أحداثه قصة أسير فلسطيني يرغب في الإنجاب، وعندما ينجح في تهريب نطفته، يكتشف الطبيب أنه عقيم، وأن ابنته "أميرة"، التي تبلغ من العمر سبعة عشر عاماً، وأنجبها بنفس الطريقة (تهريب النطفة)، هي ابنة ضابط إسرائيلي، وكأنه يُشكك في نسب مئات الأطفال الفلسطينيين الذي ولدوا بعد تهريب الحيوانات المنوية!
التعليقات