كان الأحرى بالبطل التركيز في تصريحاته على اجتهاده في دراسة الشخصية والألمام بأبعادها بأكثر من التغني بمعجزة عرض الفيلم «في قاعة سينما كاملة العدد في ألمأنيا» !
أكبر الظن أن النية كانت تتجه، لحظة التفكير في اختيار حسن الرداد ومي عمر لبطولة فيلم «تحت تهديد السلاح»، لأنهما سيشكلان "دويتو" سيكون حديث الساعة، بعد عرض الفيلم، وإذ بالمفاجأة، التي لم تخطر على بال، أن "الدويتو" الحقيقي تمثل في حسن الرداد وعمرو عبد الجليل، اللذان قدما مباراة رائعة في الأداء .. والمراوغة !
كما الأفلام المأخوذة من ملفات الاستخبارات المصرية، أعلن الكاتب والشاعر أيمن بهجت قمر أن أحداث فيلمه مستوحاة من أحداث حقيقية، جرت وقائعها في ريف مصر، وتضمنتها ملفات المحامي الدكتور محمد بهاء الدين أبو شُقة . ورغم أن "قمر" أدخل تعديلات كثيرة على القصة الحقيقية تخول له الادعاء بأنها من بنات أفكاره، إلا أنه كان أميناً مع نفسه، قبل أن يكون أميناً معنا، ولم يفوت مناسبة من دون أن ينوه إلى دور "أبو شُقة" في فيلم «تحت تهديد السلاح»، الذي لن ترى فيه، وهنا المفارقة، قطعة سلاح واحدة تتصدر الصراع، الذي تبدو فكرته تقليدية، بدرجة ما؛ حيث البطل «خالد» (حسن الرداد)، الذي يتزوج «شيرين» (شيرين رضا)، التي تكبره سناً، من باب الشهامة، بعد تعثر والدها رجل الأعمال المعروف، لكنه يفتقد حبه القديم «جيهان» (مي عمر)، ويعود للبحث عنها، ولما يجدها لا يتردد في تطليق زوجته، ويترك لها ولديه «آدم» (آدم مجدي) و«سليم» (نديم مقار)، وليلة زفافه على «جيهان» يُصاب بطلق ناري مجهول، يدخل بعده في غيبوبة قرابة الأربع سنوات !
فيلم آخر !
هنا يبدو وكأننا حيال فيلم آخر يستيقظ فيه «خالد» على كم من المآس والميلودراميات، التي تحوله إلى واحد من أفلام الفواجع؛ فالحبيبة «جيهان» قتلت ولديه، وحُكم عليها بالإعدام، وطليقته«شيرين» تدهور بها الحال، واستأجرت محلاً لبيع الزهور لتقتات منه، والطلقة الطائشة التي أصابته لها تداعياتها في صورة "صرع" وتشنجات تزلزل كيانه، وتهز ثقته فيمن هم حوله، بداية من طليقته، التي أعادها إلى عصمته، لكنه يرتاب فيها، وصديق العمر«موسى» (عمروعبد الجليل)، الذي يرتدي قناع الصديق الوفي، والمحامي «جابر» (بيومي فؤاد)، الذي فشل في إثبات براءة «جيهان»، رغم تأكيد «حبيبة» (جودي مسعود)، صديقة آدم، أنها بريئة من دمه، بينما أيدي «شيرين» هي الملوثة بدم ابنها الأكبر، لأنه هددها بفضح علاقتها الآثمة وصديق العائلة «موسى»، فقتلته بطريق الخطأ، ثم استغلت الموقف لالصاق التهمة بغريمتها «جيهان» !
فيلم لا تستطيع تصنيفه، ولا تدري إذا كان "سيكودراما" أم "أكشن" أم "ميلودراما" أم جريمة وتشويق وإثارة؛ فالكاتب أيمن بهجت قمر، ومن بعده المخرج محمد عبد الرحمن حماقي، وضعا كل ما لديهما في سلة واحدة، وإذا كان سيناريو "قمر" اتسم ، في بعض مناطقه، بالتشويق والإثارة، باستثناء بعض المشاهد التي لم يكن للأكشن مكان فيها، وتم الزج به بالكثير من عدم الحرفية، والافتعال، فإنه عانى من تعدد المفاجآت الدرامية ، أوالحبكة التي تُغير مسار الأحداث plot twist؛ فقد جرت العادة أن يتم الاكتفاء بخدعة درامية واحدة توحي للمشاهد بأن الفيلم ضلله، وتُجبره على أن يُعيد تقدير الموقف، وتقويم الشخصيات، لكن "قمر" أفرط في استخدام هذه التقنية، في الوقت الذي أهمل فيه تعميق بعض الشخصيات؛ مثل : «جيهان» (مي عمر)، التي تراجع تأثيرها كثيراً حتى كادت تتلاشى بإعدامها درامياً، الزوج الغيور «حسن الشنواني» (عباس أبو الحسن)، الذي يملك امكانات متعددة، لكن أحد لا يوظفها بالشكل المنتظر؛ والجد (أحمد بدير)، فإذا كان "حماقي" هو المسئول، وحده، عن هزال مشاهد الأكشن، وتهميش عدد من الممثلين، فإنه يُحسب له، في المقابل، توظيف حسن الرداد في شخصية درامية صعبة ذات تقلبات حادة، ومزاج مُغاير، والأهم تغييرشكله (بعد تجاوزه الغيبوبة ظهر أشعث الشعر، ولحيته غير مهذبة وطوال الوقت لم يعتمد على وسامته)، وهو ما فعله، أيضاً، مع بيومي فؤاد، الذي ابتعد به عن أدواره التقليدية الأخيرة، واختاره لتجسيد شخصية المحامي الملوث «جابر»، الذي تورط في المؤامرة، وتكرر التوظيف البعيد عن السائد مع عمرو عبد الجليل، في دور«موسى»، الصديق الذي ينطبق عليه الجملة المأثورة "اللي تحسبه موسى يطلع فرعون" !
جماليات .. وإيرادات
لم تُتح لي مشاهدة التجربة الإخراجية الأولى للمخرج محمد عبد الرحمن حماقي، في فيلم «أشباح أوروبا»، لكن كشفت تجربته في فيلم «تحت تهديد السلاح» أنه يتمتع بقدرة كبيرة على صنع فيلم تجاري "محبوك"، غني بالتفاصيل، وقدرة على اختيار زوايا التصوير، واللقطات المُقربة، والمواقف الدرامية، حتى لو اتسم بعضها بالمبالغة، لكنه مازال في مرحلة البحث عن الصورة الجمالية (مدير التصوير عباس يحيي)، التي لولا التلوين (شريف يحيى)، الذي أضفى عليها بُعداً درامياً لفقدت تأثيرها، وبدت مُسطحة، بينما يُحسب لمونتاج عمرو عاصم الإيقاع اللاهث للفيلم، وجمالية بعض المشاهد (البطل يتذكر بينما يلهو ولداه في خلفية الكادر)، بعكس ديكور مشهد انتقام البطل في النهاية (حسين بكري)، الذي تُدرك منذ الوهلة الأولى زيفه وعدم مصداقيته وابتعاده عن الواقعية.
في نهاية الأمر أدهشني كثيراً التركيز المُبالغ فيه لصناع فيلم «تحت تهديد السلاح»، وبطله على وجه الخصوص، على الإيرادات الهائلة التي حققها الفيلم، والتغني بمعجزة «عرضه في كندا وأمريكا، وفي قاعة سينما كاملة العدد في ألمأنيا»، وأراها دعاية مُضادة تثير الاستفزاز بأكثر مما تخدم الفيلم، وترفع من قدربطله، وكان الأحرى بهم أن يزيلوا الالتباس الناتج عن تصميم "بوسترات" أوحت بأننا بصدد نسخة مكررة من أفلام حسن الرداد، التي تمزج بين الكوميديا والرومانسية، بل أن أحدهم أوحي وكأن الأبطال اجتمعوا في سيارة ترحيلات (!)، وهو الالتباس الذي يظل عالقاً في حال إذا لم تُشاهد الفيلم، وتُدرك من نفسك أن حسن الرداد اجتهد بالفعل في دراسة الشخصية، والألمام بأبعادها. وإن كان هذا لا يعني – بالطبع – أن يلجأ كل ممثل إلى الاتفاق على تصميم الأفيش الذي يخدم مصلحته، ويُعلي من شأن نرجسيته !
التعليقات