لا يعرف الكثيرون أن "باتون" نشأ وسط عائلة شديدة التدين، أب مهاجر من "إسكتلندا" إلى "جنوب إفريقيا"، وأُم هي ابنة لمهاجرين "إنجليزيين" وربما لا يعرف البعض "باتون" بالأساس، فكان والده شديد الصرامة ومسيطرًا، يستخدم العقاب الجسدي لتربية أبنائه؛ وهو ما أثر فى نشأته بصفته معارضًا لكل أشكال الاستبداد والعقاب الجسدي، فأصبح ناشطًا مناهضًا لسياسات "الفصل العنصري"؛ كما كان من أشد الداعمين لـ "نيلسون مانديلا" في قضيته الشهيرة.
أحب "باتون" الاطلاع على الأدب الغربي، واستمتع بأعمال الروائيين "بوالتر سكوت" و"تشارلز ديكنز"، كما تأثر بالشاعر "روبرت بروك"، إضافة إلى شغفه بـ "الكتاب المقدس".
هو الروائي والشاعر والمصلح الاجتماعي "آلان ستيوارت باتون" الشهير بـ "آلان باتون"، ولد في مقاطعة "ناتال" بمدينة "بيترماريتسبورج"، ـ كانت مستعمرة "بريطانية" آنذاك ـ في "جنوب إفريقيا". حصل على درجة البكالوريوس في العلوم والتعليم من جامعة "كوازولو ـ ناتال" عام 1922م، وفي العالم التالي، حصل على الدبلوم التربوي الذي أهله ليصبح مدرسًا في المدرسة المحلية في مدينة "إكسوبو"، وبعد ثلاث سنوات ذهب للتدريس في كلية "بيترماريتسبورج" لمدة سبع سنوات أخرى.
ترك "آلان باتون" التدريس ليصبح مديرًا لإصلاحية "ديبلوف" المخصصة للشباب الأفارقة الجانحين، بالقرب من "جوهانسبرج"، واستمر بالعمل على إدخال تعديلات على نظام الإصلاحية لمدة 13 عامًا حتى قيام الحرب العالمية الثانية، كما عمل خلال تلك الفترة على وضع أسس جديدة لتقويم الشباب وزيادة الثقة في أنفسهم.
تقدم "آلان باتون" للخدمة العسكرية في أثناء الحرب العالمية الثانية.. ولكنه رُفض، فقرر السفر في جولة للاطلاع على أنظمة الإصلاحيات في "النرويج" و"بريطانيا" و"كندا" و"الولايات المتحدة الأمريكية". في أثناء تلك الجولة، بدأ في كتابة روايته الأشهر "إبكِ.. البلد الحبيبة" التي كتب فصلها الأول في "النرويج" عام 1946م، وانتهى من كتابتها في نفس العام مع أعياد "الكريسماس" في مدينة "سان فرانسيسكو" بـ "الولايات المتحدة الامريكية"؛ ونُشرت الرواية عام 1948م.
أصبحت رواية "آلان باتون" شائعة للغاية في "جنوب إفريقيا" والعالم، إذ باعت نسخًا أكثر من أي كتاب آخر في ذلك الحين باستثناء "الكتاب المقدس"؛ كما تمت ترجمتها إلى لغات عديدة وتحويلها في خمسينيات القرن الماضي إلى عمل مسرحي. تناولت الرواية حياة شاب إفريقي من ذوي البشرة السوداء؛ تم اتهامه بقتل رجل أبيض، وبالتالي مثوله أمام محكمة "فصل عنصرية"، وجاء الحكم عليه بالإعدام.
كان "آلان باتون" اتخذ قرارا بالتفرغ التام للعمل في الكتابة، لكنه انخرط في الحياة السياسية، وساعد في تأسيس الحزب "الليبرالي" في البلاد، وكان أعضاؤه من البيض والسود على حد سواء، وانتخب رئيسًا له.
أدت آراؤه التي طرحها بين سطور رواياته وشعره وأنشطته السياسية المناهضة لسياسات الفصل العنصري، إلى اتهامه بـ"الخيانة" في عام 1960م، وسحبت الحكومة جواز سفره. وبعد فترة من القبض عليه هو وأعوانه في النضال.. تم إطلاق سراحه هو وجميع الأشخاص الآخرين الذين تم اتهامهم معه مثل "ألبرت لوتولي" ـ المعروف أيضًا باسم "مفومبى" بلغة "الزولو"، وكان أيضًأ مدرسًا وناشطًا في "جنوب إفريقيا" وحائزًا على جائزة نوبل للسلام.
لم يتمكن "آلان باتون" من السفر خارج "جنوب إفريقيا" بعد تلك القضية؛ وظل تحت مراقبة الشرطة الدائمة، وبعد سقوط نظام "الفصل العنصري"، تم رفع هذه القيود عنه.
لا شك أن البيئة التي ينشأ بها الانسان تؤثر في الطريق الذي يسلكه خلال مسيرته فى الحياة، لكن بالإيمان والعزيمة يستطيع تشكيل حياته والعمل على تحقيق أحلامه مهما كانت الصعوبات والتحديات.
ومن المهم امتلاك الإيمان الراسخ بأهمية المعلومات ومدى تأثيرها في شخصية الإنسان.. وتكوين نظام للمعرفة للوصول إلى الحكمة التي تساعد في تحقيق الذات والتأثير في المجتمع، والإدراك الكامل أن هذا الطريق يتطلب وقتًا طويلًا وجهدًا وعملًا كبيرين.
وختامًا.. لم يصل "باتون" إلى حالة الابداع المطلق وتحقيق حلمه ليكون من أكبر الروائيين في عصره وعلى مر العصور، وأن يكون مؤثرًا في مجتمعه أيضًا، إلا بعدم الاستسلام للضغوط المختلفة والصبر والعزيمة والإرادة والتسامح ونبذ الكراهية.
ولد ومات "باتون" في "جنوب إفريقيا" موطنه، حيث بدأت مسيرته في 11 يناير 1903م وانتهت في 12 إبريل 1988م.
التعليقات