لم يكن أحد يتخيل أن مطرقة وإزميل "داشراث مانجهي"، قد يساعدانه في هدم جدار من "الحزن الشديد" داخل النفس البشرية، وتحويله إلى منفعة عامه تخدم أبناء قرية "جيهلور" الهندية، تلك القرية البسيطة التي أنجبت أحد أساطير الهند. فأطلقوا عليه "رجل الجبل" نسبة لما فعله من أجلهم وتخليدًا لذكرى زوجته.
تزوج "داشراث مانجهي" من ابنة قريته "فاجيني ديفي"، وبعد فترة تعرضت "فاجيني" لإصابة بالغة الخطورة في أثناء ذهابها بالطعام والماء إلى زوجها "داشراث"، الذي كان يعمل في مكان قريب من قريتهما، ولأن هناك جبلًا يفصل القرية عن أقرب مستشفى وطبيب مختص؛ فلم تصل الإسعافات اللازمة في الوقت المناسب، إذ كانت المسافة تقدر بـ 55 كيلومترًا ـ وفي مقولة أخرى 70 كيلومترًا ـ في طريق غير ممهد؛ وبالتالي، لم تتلق زوجته العلاج اللازم، ففقدت حياتها متأثرة بإصابتها.
حزن "داشراث" كثيرًا على فراق زوجته التي كان يحبها كثيرًا. وشعر بمسئوليته تجاه قريته ومجتمعه لإيجاد حل لتلك المشكلة الإنسانية التي من الممكن أن تطيح بأرواح آخرين. فعقد العزم وقرر شق طريق عبر الجبل؛ ليجعل قريته قريبة من المدينة، وبالتالي من الخدمات الأساسية.
أخذ مطرقته وإزميله.. وبدأ بشق الطريق بيديه. ورغم صعوبة المهمة وسخرية أهل قريته منه؛ فإنه كان يملك إصرارًا وإرادة قوية لإنهاء ما بدأ. وحين انتهى من العمل الذي استغرق نحو 22 عامًا ـ نعم 22 عامًا ـ شق خلالها طريقًا بطول 110 أمتار، وعرض بلغ نحو 9.1 مترًا وبعمق 7.6 مترًا، ليختصر المسافة بين قريته وأقرب مدينة إلى 15 كيلومترًا فقط ـ أو 10 كيلومترات حسب ما ذكر في نص آخر. وأصبح هذا الطريق رسميًا بعد وفاة "داشراث مانجهي" عام 2007م. وعند رحيله، أقيمت جنازة رسمية لـ"رجل الجبل" من قبل حكومة ولاية "بيهار" الهندية.
قصة "داشراث مانجهي" هي تجسيد لعناصر الإرادة والعزيمة والإصرار، التي أبرزت أهمية العمل على أحلامنا وأفكارنا مهما كانت، لأن أي فكرة مهما كانت، ستظل في حالة السكون والتجميد ولا معنى لها حتى توضع في حالة التنفيذ الحقيقي لخدمة النفس أو المجتمع. وللوصول إلى هذه الحالة؛ يجب أن يتوافر لدينا القدر الكافي من الفهم الجيد والإدراك لعناصر الإصرار والعزيمة والإرادة والإيمان بالهدف، وذلك طوال فترة سعينا لتحقيق أحلامنا.
في المقابل علينا التعامل مع جميع التحديات بالقدر المناسب من تلك العناصر حتى نصل إلى الإنجاز الكامل لها وتحقيق الهدف منها. فنجد أنه عندما حول "رجل الجبل" طاقة الحزن على محبوبته، وبدأ شيئًا لا يمكن لأحد أن يفكر به؛ فإنه واجه بشجاعة استهجانًا وسخرية الكثرين من أبناء قريته والمجتمع المحيط به، خلال استمراره في العمل طوال 22 عامًا، حتى نجح "داشراث مانجهى" في إنجاز ما بدأه.
في النهاية.. علينا أن ندرك أن أي فكرة جديدة لم يفكر بها الآخرون قد تواجه بالرفض أو السخرية، فعليك أن تستمر بإيمانك وإصرارك للوصول لهدفك وتحقيق النجاح الذي تحلم به لنفسك ومجتمعك. وإذا كنت شخصية مؤثرة في مجتمعك، فلا تجعل كلمات الإرادة والعزيمة والإصرار لتحقيق الحلم بمثابة سرد لغوي في حديثك أو خطابك للغير لتكتسب بها اهتمام البعض واحترام وتأييد الآخرين، لكن حول تلك الأحلام والأفكار إلى واقع ملموس. ولو كنت من أفراد المجتمع العاديين، فعليك أن ترفع سقف أحلامك بالقدر الكافي لتحقق الاستفادة لنفسك ومجتمعك، وتؤمن أن تلك الأفكار الجديدة قد تكون خطوة تغير حياتك وحياة أبنائك للأبد مثلما فعل "داشراث مانجهى".
ولأنها قصة ليست كأي قصة.. فقد تحولت لمادة ملهمة في برامج تليفزيونية كثيرة، كما أنه تم صنع فيلم يجسد حياة بطلنا "رجل الجبل" داشراث مانجهى.
التعليقات