في أي مستوى اجتماعي قد ينتمي له الفرد، فإنه بحاجة إلى إشباع مجموعة من الاحتياجات الأساسية، لتصبح حياته سوية وناجحة نسبيًا. فمنذ ظهور نظرية التدرج الهرمي للحاجات عام 1935م، وحتى كتابة هذه السطور ـ أي ٨٦ عامًا، تم إثبات صحة تلك النظرية في جميع جوانب الحياة، ومع مرور الأيام، زادت أهمية تعليم مفرداتها ومكوناتها لأفراد المجتمع.
صاحب النظرية هو عالم النفس الأمريكي "ابراهام ماسلو"، الذي ولد بمدينة "بروكلين" بولاية "نيويورك" في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1908م، وجاءت نظريته لتفسر الدوافع الإنسانية، ويتلخص هرم الاحتياجات في أن كل إنسان لديه خمسة أنواع مختلفة من الحاجات، حيث تحتوي القاعدة الهرمية على الحاجات الفسيولوجية، يليها الحاجة إلى الأمان، والحاجة إلى الانتماء، ثم الحاجة للاحترام، وانتهاءً بقمة الهرم "الحاجة إلى تحقيق الذات".
وتأتي الحاجات الفسيولوجية كحجر أساس للهرم، وهي تتضمن الحاجات الأساسية للإنسان والضرورية لبقاء آدميته، مثل: الطعام، الماء، الكساء، الأكسجين، والمسكن.. إلخ، والتي تمثل أساسًا قويًا لمعنى الدافعية.
دعونا نتخيل معًا ذلك الحوار بين شاب ورجل كبير يمتلك قدرًا كبيرًا من الحكمة، فسأله الشاب عن "سر النجاح"؟
قال الرجل: "سر النجاح هو الدوافع والرغبات المشتعلة".
فسأله الشاب: "ومن أين تأتي الدوافع والرغبات المشتعلة؟"
استأذن الرجل من الشاب وذهب لبعض الوقت، ثم عاد ومعه وعاء كبير من الماء، فاندهش الشاب لهذا الأمر، ولم يطل الأمر كثيرًا حتى سأل الرجل الشاب: "هل أنت متأكد من أنك تريد معرفة من أين تأتي الدوافع والرغبات المشتعلة؟".
فرد الشاب بلهفة كبيرة: "طبعًا"!
طلب الرجل من الشاب أن يقترب من الوعاء، فاقترب منه بحذر؛ فأمسك الرجل برأس الشاب بيده، ثم ضغط على رأسه داخل الوعاء بكل قوة، حتى أصبح رأس الشاب بالكامل داخل الماء، حدث ذلك لعدة ثوانٍ، وعندما بدأ الشاب بالاختناق، بدأ بالمقاومة، فلما طالت المدة، اشتدت مقاومة الشاب، فأخرج الرجل رأس الشاب من الوعاء بكل هدوء، وصرخ الشاب غاضبا: "ما تفعل؟".
بكل هدوء رد الرجل وسأل الشاب: "ما الذي تعلمته أنت الآن؟"!
فرد الشاب وهو ما زال غاضبًا: "لم أتعلم أي شيء".
فقال: "لا.. بل تعلمت يا بني الكثير، في بداية الأمر أردت أن تخرج رأسك من الماء، ولم تنجح لأنه لم يكن لديك الدافع والرغبة المشتعلة، ولكن مع مرور الوقت، وحينما بدأت تشعر بالاختناق تدريجيًا؛ أصبح لديك الدافع والرغبة لإخراج رأسك من الوعاء، فنجحت لأنه لم تكن هناك قوة تستطيع أن توقفك".
يتشابه صراع البقاء مع الأحداث المختلفة التي نمر بها خلال رحلة تحقيق الذات؛ فالشعور بالأمان يأتي في المرحة الثانية بعد إشباع الحاجات الفسيولوجية، فمثلًا يرغب كل فرد أن يحمي نفسه من الأخطار المحيطة به والتي تهدد حياته أو حياة أسرته.
ويترتب على ما سبق الحاجة للشعور بالحب والاحتواء مع وجود صداقة حقيقية وارتباط وانتماء لوطن أو لأسرة يتحقق معها التفاعل الفعال لروح الفريق الواحد، لتتحقق الأهداف المنشودة. ومن أمثلة المناخ الاجتماعي "النادي الاجتماعي، والمسابقات"، فتجمع الأسرة من وقت لآخر وتجمع الاصدقاء في الأماكن العامة. وبذلك يشبع الفرد حاجاته للانتماء.
وتأتي في المرتبة الرابعة الحاجة للاحترام، وهي أن كل إنسان يحتاج بشكل دائم إلى الشعور بالتقدير والاحترام، من خلال الاعتراف بكفاءته، وجدارته، واستقلاليته؛ ما يزيد الثقة في النفس، وهي من الحاجات الأساسية للقيادة، وتحمل المسئولية، وهو ما يُشعر الأفراد بقيمهم في أسرتهم أو المؤسسة التي يعملون بها أو مجتمعهم.
ومن ثم.. فإن الحاجة إلى تحقيق الذات، تأتي على قمة هرم الحاجات لـ"ماسلو"، ولا يمكن تحقيقه إلا بعد تحقيق جميع الاحتياجات الأخرى سابقة الذكر. وهي تشير إلى أن حاجة الأفراد يجب أن تتوافر لها الظروف التي تساعد في إبراز قدراتهم على الابتكار، لكي يقدموا أفضل ما عندهم، وحتى يستطيعوا الشعور بوجودهم وكيانهم.
من المهم إدراك أن الاحتياجات الأساسية للإنسان مهما كان عمره أو مستواه العلمي أو الاجتماعي هي مجموعة واحدة لا تتغير. وعلى الكبار إدراك أن الأبناء يحتاجون أيضًا لإشباع الاحتياجات الخمس، لإنشاء جيل قادر على الابتكار والإبداع.. كما على الأبناء إدراك التحديات والصعوبات التي تواجه مجتمعاتنا.
وليحفظ الله أهلنا وأبناءنا في كل بقاع الأرض.
التعليقات