في عام 2014، اختيرت فتاة أمريكية ضمن 30 امرأة غيرن العالم من قِبل موقع "بزينس إنسيدر"، كما اختيرت "شخصية اللحظة" عام 2013م، من مجلة "التايمز".
إنها "ديبي ستيرلينج"، ابنة ولاية "رود آيلاند" بالولايات المتحدة الأمريكية.
عاشت "ديبى" كأي طفلة تحب الرسم والباليه واللعب بالدراجة، وكانت عائلتها تدللها دومًا بقولهم لها إنها ذكية، لكنها كانت تتمنى أن يقولوا لها إنها جميلة، والسر في ذلك يعود ذلك لثقافة المجتمع الأمريكي في ذلك الحين.
كبرت "ديبي" وأنهت دراستها الثانوية، وذهبت إلى معلمتها، وطلبت منها أن تكتب خطاب تزكية لتقدمه للالتحاق بالجامعة، فاقترحت عليها بأن تدرس الهندسة. ورغم عدم اقتناع "ديبى" أن مجال الهندسة سيكون ملائمًا لها كونها فتاة، وبصرف النظر عن علمها بأن المهندسات الأمريكيات يمثلن أقلية؛ فإنها قررت خوض التجربة.
من المحاضرات التمهيدية؛ بدأت تتعرف على ماهية الهندسة، فزاد شغفها بهذا العلم لاكتشافها أنه يشجع على الابتكار والإبداع. وأسعدها ذلك كثيرًا حتى وصلت لمنتصف فترة دراستها بالكلية، وبالتحديد في مادة "الرسم الهندسي"، فكان على الطلاب رسم أشكال هندسية بقواعد ومعايير معينة، واجتهدت "ديبي" في إنجاز ما يُطلب منها، لكن ما حدث يوم التقييم كان مؤلمًا لها جدًا.
كان المحاضر يجوب أطراف الغرفة ويقيم أعمال الطلاب، وحين وصل إلى رسم "ديبي"؛ وقف في منتصف القاعة، وطلب من الآخرين رفع أيديهم إذا كانوا يظنون أنها تستحق النجاح.
أحست "ديبى" بالإهانة الشديدة.. لكنها تماسكت، حتى تدخل أحد الأصدقاء وقال للمحاضر "إنه من غير اللائق التحدث بهذا الشكل كونها "فتاة".. تحاول بذل كل ما في وسعها لتنجز المطلوب منها، وإن كانت قد أخفقت؛ فيجب عليه أن يتمتع بالصبر معها ويعلمها".
بدأت "ديبي" في التردد على المكتبة، وفي بعض الأحيان كانت تجلس بها حتى الثالثة صباحًا تطلع على الكتب وتدرس، بعد ذلك؛ قالت إنها رأت من كانت تعتقد أنهم أبناء عباقرة بالفطرة.. يطلعون على الكتب في المكتبة، ويذاكرون حتى وقت متأخر من الليل كما كانت تفعل. فكانت تلك اللحظة نقطة تحول جديدة في حياتها المهنية.
بعد إصرار وعزيمة وصبر وجهد في المذاكرة، تخرجت "ديبى"، وبدأ حلم جديد يحوم في الأفق، وكان له الأثر في تغير حياتها كليًا وحياة الكثيرين أيضًا.
وبعد مرور عدة سنوات من تخرجها؛ لاحظت "ديبي" أن من ينجح في امتحان القدرات والمهارات هم الأطفال الذين كانوا يلعبون بالمكعبات "الليجو" وألعاب البناء الهندسي المختلفة.. فتذكرت حينها أنها وأختها لم تحظيا أبدًا بتلك الفرصة؛ لاعتقاد والديهما والمجتمع أن تلك الألعاب خاصة بالأطفال الذكور فقط.
قررت "ديبي" أنها ستبتكر ألعاب بناء هندسية للبنات، وستعطيهن الفرصة التي لم تحظ هي بها؛ لتنمي لديهن الشغف بالرياضيات والهندسة، والسعي لاكتشاف قدراتهن ومهاراتهن في مرحلة مبكرة.
وخطرت بذهنها فكرة بسيطة، وهي دمج تلك الألعاب بالقصة في نموذج واحد، أي أن تكون اللعبة قصة لفتاة، هذه الفتاة تُدعى "جولدي بلوكس"، تذهب في مغامرات كثيرة، تتعرض خلالها لمجموعة من المشكلات، التي تستدعي من البنات الصغيرات إنشاء معدات بسيطة مع "جولدي"، ومن ثمّ؛ يتعودن على إنشاء نماذج هندسية بسيطة للتغلب على تلك المشكلات. فاختبرت "ديبي" اللعبة بين بنات الحي ونجحت.
حاولت "ديبى" عرضها في برنامج الابتكارات في "وادي السيليكون"؛ إلا أنه تم رفضها.
لم تيأس؛ وقررت عرض اللعبة في معرض "نيويورك" لإنتاج لعب الأطفال، ولم تختلف النتيجة عن سابقتها، وحينها.. أبلغها البعض أن اللعب الهندسية للبنات لن تفلح وليس لها سوق.
أصرت "ديبي ستيرلينج" على تحقيق حلمها، وعقدت العزم.. فذهبت إلى شركة إنتاج للعب الأطفال، وأبرمت معها اتفاقًا، وحوّلت نموذجها إلى حقيقة واقعية أخيرًا؛ لكن.. كانت هناك مشكلة بسيطة، وهي أن الحد الأدنى للإنتاج هو خمسة آلاف لعبة، ولم تكن "ديبي" تعلم ما إذا كان السوق سيستوعب لعبتها أم لا. وبدأت بالتسويق عبر شركة "كيك ستارتر" ووضعت هدف الوصول إلى 50 ألف دولار أمريكي في ثلاثين يومًا.
المفاجأة.. حققت "ديبي" هدفها في 4 أيام فقط. كما زاد الحد الأدنى من الإنتاج من 5 آلاف لعبة إلى أكثر من 20 ألفًا.
إن الإيمان بأن قوة التفكير المتميز الذي يترجم بالإصرار والعزيمة إلى فعل حقيقي ملموس؛ يحقق ما نظنه مستحيلًا، وبالتالي.. نشبع رغبتنا في النجاح على المستويين الشخصي والعملي.
التعليقات