تبدأ حاسة السمع عند الإنسان وهو لا يزال جنينًا في رحم أمه؛ حيث يستطيع سماع بعض الأصوات، وعند الولادة؛ تكون تلك الحاسة قوية، إلى درجة أنه يستطيع تمييز صوت أمه والتفاعل معه. وأكد العلماء أهمية الاستماع للآخرين؛ لأن ذلك يمثل نسبة كبيرة من القضاء على الطاقة السلبية بداخلهم.
فيُحكى أنه كانت هناك فتاة تعيش في الغابة لدراسة سلوك الحيوانات المختلفة وطرق التواصل بينها. ووصل بها الأمر إلى أنها كانت تشعر بأنها كائن من ضمن كائنات الغابة تلك، فتجلس ساعات تشاهدها وتراقب تصرفاتها، وتعلمت ألا تخاف منها. وعند ذهابها إلى السوق التجارية القريبة من الغابة لشراء احتياجاتها؛ كانت تراقب الرجال والنساء وهم يتحدثون مع بعضهم بعضًا، وطبيعة السلوك بينهم، وذلك كي تتعمق أكثر في دراستها للبيئات المختلفة.
وفي أحد الأيام كعادتها؛ كانت تسير في الغابة، ولاحظت أن الطيور تترك عشها والأرانب تترك جحورها في مشهد غريب، وتولد عندها شعور أن هناك شرًا قادمًا.
ذهبت في اليوم التالي تستطلع الأمر، وتعرف آخر الأخبار في السوق التجارية، فسمعت الناس يتحدثون عن مرض شديد أصاب الملكة وجعلها كالوحش، واحتار في أمرها الأطباء. وأينما ذهبت سمعت قصصًا مختلفة عن حالة الملكة الصحية، ولكن الأكيد بكل القصص أن الملكة مريضة جدًا، وهو ما يجعلها تصرخ وتتألم وتبكي باستمرار.
قررت الاقتراب من القصر الملكي وتقصي الحقيقة. تجاوزت الجمع المحتشد كله حول القصر، حتى وصلت لمكان قريب من الملك الذي كان يتحدث مع بعض الأطباء حول حالة الملكة؛ تقدمت إليه وطلبت الإذن بالسماح لها بمساعدة الملكة لتتجاوز تلك الأزمة.
سخر منها الأطباء كونها فتاة صغيرة، وتعجبوا كيف ستعالج الملكة وهم لم يجدوا الدواء، كما أنهم أقروا بأنه ليس هناك علاج لمرض الملكة، بعد أن حاول الأطباء علاجها كثيرًا وبطرق غير تقليدية، حتى وصل الأمر إلى أن استعان أحد الأطباء بفكرة طرد الشر من جسد الملكة، ولم يفلح الأمر.
لكن.. سألها الملك عمّا ستفعل؛ فردت عليه بكل هدوء، وطلبت منه أن يمنحها سبعة أيام، وبعدها سيرى النتيجة بنفسه، ولأنه وصل إلى أعلى درجات اليأس واستعداده لفعل أي شيء حتى يتم الشفاء؛ فسمح للفتاة، وأخذوها إلى غرفة الملكة.
دخلت الفتاة، وجلست على سرير الملكة التي كانت جالسة في أحد أركان الغرفة تبكي وتتنهد ممسكة بطرف بطانيتها التي كانت تلتحف بها كأنها في شرنقة وتريد الهروب من العالم. لم تتفوه الفتاة بكلمة، ومن جانبها لم تشعر الملكة بوجودها. كانت الفتاة تجلس وتراقب وتدرس التصرفات المختلفة للملكة.
استمر الأمر هكذا طوال الأيام الأربعة الأولى للفتاة في الغرفة، لكن في اليوم الخامس؛ حدث تغير بسيط.. بأن نظرت إليها الملكة في صمت، ومن جانبها نظرت إليها في سكون وهدوء، وفي هذا اليوم؛ تبادل الطرفان النظرات فقط. أما في اليوم السادس؛ فقد ذهبت الملكة وجلست إلى جانب الفتاة، وسألتها ما إذا كانت خائفة، فكرت الفتاة قليلًا، وأجابت بـ "نعم"؛ فتعجبت الملكة وسألتها عن سبب وجودها في المكان؛ فردت الفتاة بأنها موجودة كي تسمعها؛ فتعجبت، وأخبرتها بسبب عدم حديثها معها طوال الأيام السابقة، بكل هدوء أبلغتها الفتاة أنها ـ أي الملكة ـ لم تكن مستعدة لذلك.
عاد السكون للغرفة مرة أخرى؛ فبدأت الفتاة تغني بهدوء الأغنية التي سمعتها سابقًا من الملكة، والأخيرة تتنهد وتهمهم مع نفسها، فأمسكت الفتاة بيد الملكة، وطمأنتها بأن كل شيء سيكون بخير، حتى جاء الليل؛ وبدأت في الحديث عن الخوف المفاجئ الذي تسلل إليها من العدم، وكيف شعرت فجأة أنها محاطة بالظلام وكيف يمكنها رؤية العالم الخارجي، لكن بطريقة ما لم تستطع الوصول إليه، وكيف أخرجت ذراعيها ووجهها فقط من البطانية لتشعر بشيء ما، وكيف شعرت بوجود الفتاة وصبرها؛ استمرت الفتاة في الإصغاء، وكانتا من حين لآخر تجلسان في صمت، ثم تحدثت الملكة عن أن أمها كانت تغني تلك الأغنية عندما كانت طفلة صغيرة؛ وظلت تحكي والفتاة تستمع لها حتى شروق شمس اليوم السابع.
في صباح ذلك اليوم؛ جاء الملك والأطباء لرؤية الملكة، ووجدوها أحسن حالًا من قبل، وخرجت الملكة لتحية زوجها مبتسمة، لم تشفَ بعدُ تمامًا، ولكنها عادت مرة أخرى إلى عالمنا.
الآن.. نستطيع أن ندرك أن مهارة الاستماع منسية في حياتنا. فكونك "أب" أو "أم" أو "قائد" تريد أن تنمو وترتقي بأبنائك؛ عليك أن تنمي قدراتك السمعية، فلا تستمع لمجرد الاستماع، بل عليك أن تستمع بأذنيك وعقلك وقلبك.
التعليقات