اتذكر ان والدتي رحمها الله كان دائماً تحكي لي عن صوت إذاعي لم تكن تتذكر اسمه لمذيع شاب كان يقدم برنامج صباحي خفيف الظل على إذاعة البرنامج العام يسمى (صباح الخير ) وكان البرنامج يلقى نسبة سماع واستماع عاليه وكان لصوت مقدمة اداء متميز ارتبط بنسيم الصباح وهو يقول (صباح الخير صديقي المستمع) بطريقة جعلت منه تريند بلغة عصرنا.
وتكمل والدتي القصة بان ذات صباح وبعد التتر المميز بصوت الاعلامي الشاب وهو يرحب بأصدقائه المستمعين ظهر بعده صوت مختلف ينعي مقدم البرنامج خفيف الظل الذي رحل فاجأة وهو شابا لم يتجاوز عامه ٣٧ وكان هذا عام ١٩٦٣ بعد مسيرة لم تتجاوز ٨ سنوات فقط ليحزن عليه الجميع ويزرفون الدمع عليه صغارا وكبارا.
رحلت والدتي ولَم تسعفها الذاكرة باسمه .. وبعد وفاتها بأعوام قليلة زاملت فيها الوحدة وصاحبت الراديو استمعت ذات ليلة الى برنامج قديم للإذاعي طاهر ابو زيد يستضيف ضيف باسم مرح يشبه صوته صوت منير مراد في مرحه . القي الى روعي انه هو صاحبنا وبالفعل كان هو ( العبقري ) وليس الاذاعي فقط مأمون ابو شوشة..
مامون أبوشوشة
كم تمنيت وقتها لو كانت والدتي حية ترزق لابلغها اني حصلت على اسمه ولكن فات الميعاد.
بعدها اصبحت شغوفا بالاستماع الى اي برامج تتناول سيرة هذا العبقري الصغير التعيس الضاحك فلم يكن الانترنت اتسع بالقدر الكافي ليصبح ملاذا للباحثين عن المعلومة السريعة ..
استغرقت وقتا ليس بالقصير لأعلم عن ابو شوشة ما ابهرني.
المأمون أبو شوشة في الأصل جيولوجي متخرج من كلية العلوم .. فتن في طفولته بشخصية نجيب الريحاني فأتقن تقليده وتقليد غيره بشكل غير مسبوق يصل الى حد التطابق ومن هنا دخل مجال الفن كممثل فتم الاستعانة به لتسجيل اوبريتات الريحاني النادرة في الإذاعة خوفا من اندثارها ثم قام بتقديم قصة حياة الريحاني في مسلسل إذاعي.
كان هذا بالتزامن مع عمله كمقدم لأشهر البرامج الإذاعية على رأسها صباح الخير وساعة لقلبك وحول الاسرة البيضاء بالاضافة لبرنامج العلم والإيمان والذي حوله الدكتور مصطفى محمود لبرنامج تلفزيوني لاحقا بعد وفاته بسنوات
لم تكن تتوقف مواهب فتانا الساخر التعيس عند هذا الحد فقد كان أيضا مخرج دراما ومنوعات ومؤلفا وزجالا يكتب الاسكتشات الكوميدية والأغاني الخفيفة ..
ولكن هل جفت قريحة المأمون ابو شوشة عند هذا الحد ؟
كلا فقد كان له وجه اخر يعكس معاناته في الحياة مع الوحدة وداء القلب .. فقد كان من امهر شعراء الفصحى في زمنه تتلقف الصحف السيارة كل جديد من انتاج وعلى خلاف عمله الفني و الاذاعي الخفيف والساخر كان في الشعر يغلب عليه اللون الفلسفي الحزين وقد كانت اخر قصائده تحمل رثاءه لنفسه بعنوان ( أغدا اموت ؟) وكانت المفاجأة ان مات بالفعل في اليوم التالي لنشر القصيدة في جريدة الاهرام لتبكيه البيوت المصرية كما لو كان فردا منها
رحم الله الفتى الضاحك البائس.
التعليقات