إذا أردت أن تتكلثم فتسنبط.. تلك مقولة من الأقوال المأثورة وكان يقصد بها أن كل من يخوض تجربة التلحين لأم كلثوم فلابد أن يخضع لطريقة الموسيقار رياض السنباطي في التلحين كونه صاحب نصيب الأسد ممن لحنوا لكوكب الشرق بل والملحن الأوحد لفترة زمنية ليست بالقصيرة بعد توقفها عن الغناء من ألحان الموسيقار محمد القصبجي ثم خلافها الحاد مع الشيخ زكريا أحمد والذي وصل لساحات القضاء..
وبالفعل فعندما ابدت ام كلثوم في النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي رغبتها في تنويع مصادر الحانها واختارت من الملحنين الشبان وقتها كمال الطويل ومحمد الموجي لتلحين بعض الأغاني الوطنية ثم الدينية ..
حفل لأم كلثوم
لم يستطع اي منها ان يتملص من عباءة السنباطي بشكل كامل فخرجت الحان كليهما وكأنها من عود السنباطي .. رغم انهما كان لهما اسلوبها الخاص مع عبد الحليم حافظ وغيره ولكن صدقت معهما القاعدة.. وحتى عندما لحن لها فيما بعد الموجي اول اغانيه الطويلة .. للصبر حدود خرجت ايضا بفس المسحة السنباطية.
وحتى عندما انضم الشاب الصغير عمرا وقتها والكبير فنا بليغ حمدي الى قائمة ملحني ام كلثوم باغنية حب ايه خرجت الاغنية وكانه قد قام بتلحينها نيابة عن السنباطي !! وتكررت تجارب بليغ الأولى مع ام كلثوم ولكنها كانت سنباطية الايقاع والمقامات... إلى ان طلب الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1964 من الموسيقار عبد الوهاب ان يلتقي مع ام كلثوم في اغنية ..
أم كلثوم وعبد الوهاب
فما كان من عبد الوهاب الا ان اهداها على وجه السرعه احدى اغانيه والتي كان قد اعدها لنفسه ولَم يغنيها وهى انت عمري فكان لقاء السحاب ثم قام بتلحين قصيدة على باب مصر خصيصا لها من كلمات كامل الشناوي ..
فكانت المفاجأه التي ادارت رؤس عشاق ام كلثوم .. فهاهي تخرج اخيرا من عباءة السنباطي الى التنوع الذي اكسبها جمهورا جديدا فعبد الوهاب كان اكبر من ان يرتدي عباءة لا تخصه..
فكانت انت عمري هى البداية التي شجعت في البدايه بليغ حمدي ان ينطلق على سجيته ويظهر لونه المميز في التلحين ويهدي ام كلثوم اروع اغانيها ذات الايقاع المتطور والالات الموسيقيه التي ظهرت للمرة الأولى في فرقة ام كلثوم فكانت اغاني فات الميعاد وسيرة الحب .. واستمر عبد الوهاب في اطلاق صواريخه الفنيه واحدا تلو الاخر وكان بليغ يرد بالمثل .. وادرك محمد الموجي الفرصه فكانت ثاني اغنياته لام كلثوم ((اسأل روحك)) قنبلة فنية اخرى تحمل بصمات الموجي وتنوعياته اللحنية المميزة..
ثم كانت المفاجأة الكبرى ، السنباطي نفسه الذي ظل يراقب هذا التنوع الذي طال اغاني ام كلثوم، فلم يصمت طويلا . فكانت رائعته ((الأطلال)) والتي لم يتحدى بها عبد الوهاب وبليغ فقط ولكن تحدى نفسه بها قبلهما .. واستمر السنباطي باحترافية لا يجيدها الا هو يقدم خلاصة تجربته اللحنية برصانته المعهودة ولكن بتنوعات لحنية وطربية جديده فكانت روائع ((من اجل عينيك )) و ((القلب يعشق كل جميل )) و ((اقبل الليل)) ...
ثم كان الكلمة الأخيرة للملحن الشاب سيد مكاوي واذانه كانت ترصد ما يحدث ... فكانت انطلاقته ((يا مسهرني)) التي لم يتعاون فيها مع شعراء شبان مثل عبد الوهاب محمد او غيره ولكنه ذهب الى شاعر ام كلثوم الأول .. شاعر الشباب احمد رامي ..
محمد عبد الوهاب يراقب رد فعل الجمهور من داخل كواليس اغنية انت عمري عند تقديمها للمرة الاولى
فكانت رائعة من روائع ام كلثوم بتنويعات طربية وجمل موسقية مكاوية خالصة لا تخطئها اذن .. ولكنها كانت النهاية فقد توقفت ام كلثوم عن الغناء للابد بعد هذا الموسم والذي ختمته باخر هدايا عبد الوهاب لها ... ولنا ... ((ليلة حب)) حيث لم تساعدها حالتها الصحية على الوقوف على المسرح مرة اخرى لتقدم اخر الحان بليغ حمدي لها (( حكم علينا الهوى ))
ما اروعها من معركة فنية استمرت ثمان سنوات فقط ولكنها اثمرت ما لم تثمره ٤٠ عاما سابقة من تاريخ ام كلثوم.
التعليقات