من الذكريات التي لا تفارق رأسي ذكرى ( اليوناني الأخير في ايتاي البارود ) حيث كان يقيم في مسقط رأسي بمدينة إيتاي البارود في ثمانينات القرن الماضي بقال يوناني عجوز كان يسمى ( نيقولا ) ورغم سهولة اسمه كان من النادر ان تجد احد ينطقه النطق الصحيح فإما مكولا او ككولا احيانا والبعض كان منعا للخطأ يكتفي بالنداء ( يا خواجه )
عندما عاصرت الخواجة كان رغم تقدمه في العمر انيق مهتم بهندامه ومظهره حليق اللحية دائما مصفف ما تبقى من شعره الطويل على الجوانب رغم صلعه وكانت ملابسه المميزة بنطال مكوي بعنايه وقميص اعلاه بلوفر بسبعه ..
وكان رغم إقامته الطويلة في مصر لا يتقن من اللغة العربية الا ما ( يتقنه ) الخواجات في أفلام اسماعيل يس ربما لقلة اختلاطه بأولاد البلد المصريين.. واصدق القول حين أقول الآن أنه ربما كان محقا في عزلته كما ستعرفون.
فقد كان هناك مقالب وحيل يمارسها الأطفال من أولاد البلد ضد اي غريب او وافد عليهم وكان أحد هذه المقالب الخواجة طرفا فيها رغم أنفه ..
وكانت الحيلة تعتمد على أن يقوم بعض الأشقياء ومعتادي المقالب من التلاميذ باصطياد زميل لهم وافد من القرى المجاورة وبحيلة ما يحبكون الدور عليه من خلال طلب بريء (عايزين بقرش صاغ لب قرع) ... طلب بسيط لا يثير الريبة خاصة انهم يدفعون له القرش مقدما.. واتقان الحيلة كان ينسي المسكين أسئلة منطقية من نوعية (لماذا لا يشترون ما يرغبون فيه بأنفسهم ! ثم هذه بقالة وليست مقلة لب! .. ولماذا لب (( قرع )) بالتحديد كل هذه الأسئلة كانت تغيب عنه رغم منطقيتها لأن هؤلاء الأشقياء كانوا يتقنون الحيلة بشكل متقن بالإضافة انهم كانوا يلقون شباكهم حول الطفل الاكثر سذاجة وانبهارا بأضواء المدينة.
ولا تمر ثوان حتى يجد المسكين نفسه وجها لوجه أمام الخواجة بوجهه الأحمر المكفهر قائلا ( يا عم عايز بصاغ لب قرع ) .. وقبل أن يلتقط أنفاسه كان الخواجة الهادئ المسالم يتحول في لحظة إلى وحش كاسر وربما امسك بالفتى البائس وأذاقه (علقه ساخنة) واحيانا ان كان الفتى من سعداء الحظ يستطيع الإفلات ووقتها ترى الخواجة في مشهد معتاد وهو يركض خارجا من الدكان بالمقشه في مشهد كوميدي يشتم ويطارد أشباح الاطفال الذين عبروا الى الجانب الاخر من الطريق .. وكان الخواجة يجن جنونه من هذا الطلب البسيط لسبب انه قد مر عليه عشرات السنين يتلقاه على سبيل السخرية والتندر من صلعته الناصعة البياض ولما كان رد فعله الغاضب من المقلب يظهر بشكل كوميدي فقد ذلك سببا في استمراره حتى اصبح طقسا تتوارثه الأجيال ..
اما عن العبد لله فالحمد لله فلم أكن ابدا ضحية لهذا المقلب كوني من اولاد البلد ( السكان الأصليين ) وإن كان قد حدث ذات مرة أن دفعني أحدهم داخل محل الخواجة لكن نجوت بفضل الله ثم سرعة سيقاني اللتان كانتا أسرع من رد فعله.
التعليقات