صديقنا الشاعر الجميل الذي جاء من أقصى الصعيد يحمل حقيبة على ظهره بها بعض الدواوين وبعض الأوراق الشعرية التي كتبها تحت الشجر، لم يكن معه سوى جنيهات قليلة جعلته يسكن في غرفة صغيرة، جمع بها عدد من الشعراء والكُتَّاب في سهرات لذيذة ذاب فيها فقر الغرفة والشروخ الواضحة بها، كان صديقه سامح الشهير بالبحر فاكهة الغرفة، حين يتواجد تتواجد النكتة والضحكة الظريفة، وكان يحب أن يصنع بعض المقالب بنيَّة الضحك البريء.. ذات مرة جاء للشاعر الجميل زائر من الصعيد من أقاربه، اسمه حسنين.
في اليوم نفسه أتي سامح لزيارة الشاعر الجميل وهو يحمل الكنتالوب؛ ليدخل الفرح على قلب الزائر الصعيدي، كان حسنين فرحًا جدًا لوجوده في الإسكندرية حتى لو نام على أرض غرفة تحت بئر السلم؛ لأنه هنا يرى العمارات ويتذوَّق الماء المالح في البحر الواسع العجيب، ويشاهد البنات الحلوات، ويأكل العيش الصابح الطري.
ما إن رأى سامح حسنين ينظر للكنتالوب بشراهة غريبة حتى طقَّت في روحة رغبة الضحك فغمز لصديقه الشاعر، وأثناء الحوار قال سامح لحسنين إن هناك طريقة في الإسكندرية يمكنها أن تجعل الشعر ناعمًا، كشعر حسين فهمى الممثل المشهور الذي يظهر في التلفزيون والسينما، ونظر لشعر حسنين الخشن كسلك حاد وابتسم، هنا هَبَّ حسنين ووقف يستمع بانتباه شديد عن تأثير الوصفة التي يعلمها سامح بمفردة والتي تجعل الشعر يسيح على الوجه كالحرير، وتجعل البنات في الإسكندرية تعشقه من أول نظرة، والشاعر الجميل يكتم ضحكته لأنه لا يعلم ماذا يريد سامح بالتحديد، لكنه يعلم أن موقفًا مضحكًا مبكيًا قادمًا في وقت قريب.
كان سامح يتحدث في غاية الجديَّة، اقترب منه حسنين وأخبره أنه يريد أن يقوم بهذه الوصفة فلم يرد سامح عليه؛ حتى ألحّ عليه حسنين وأظهر رغبة شديدة في أن يصبح شعره ناعمًا شديد النعومة؛ فحسين فهمي ليس أفضل منه، هنا طلب منه سامح أن يحضر الكنتالوب وأمره أن يتجنبه وأن لا يأكل منه أي قطعة صغيرة فهذا بداية للوصفة التي يريد أن يصنعها له، وبدأ يأكل هو والشاعر الجميل باستمتاع وحسنين ينتظر في غيظ يريد أن يأكل ولو قطعة واحدة، وسامح يقول: "هذا صعب، أنت لن تتحمَّل الحبسة في البيت لمدة ثلاثة أيام" وحسنين يلعق شفتاه في رغبة شديدة لتذوق الكنتالوب ويقول بإصرار إنه يريد شعرًا ناعمًا كحسين فهمي حتى لو حُرِم من الكنتالوب ولو ظل في الغرفة طوال زيارته، وظل يُقَبِّل رأس سامح حتى وافق.
جلس سامح على الأرض وجمع قشور الكنتالوب وطلب من حسنين كيس سكر فذهب وأحضره ثم إنه غَطَّس قشور الكنتالوب في السكر، هنا استسلم حسنين تمامًا وجلس تحت يد سامح الذي غطى شعر حسنين بالسكر كاملًا ثم وضع على رأسه قشور الكنتالوب.
أراد حسنين أن يهرش شعره فنهره سامح بشدة، وأخبره أن لمس الشعر ولو لمرة واحدة سيُفسد الوصفة وأن عليه أن يتحمَّل مهما كانت الظروف إذا أراد أن يكون له شعر حسين فهمي.
جاء سامح بكيس بلاستيك وأدخله في رأس حسنين كابسًا على الكنتالوب وكتم رأس حسنين، وجاء بجورب قديم رائحته فظيعة ووضعه على الكيس وبدأ حسنين يتململ، وأكد عليه سامح: "لا تلمس شعرك ثلاثة أيام" فقال حسنين: "لكن كيف أتوضأ؟" فقال سامح: "بالمسح على الجورب، امسح الجورب فقط من الخارج، إياك أن تهرش حتى لو شعرت أن ثعبانًا يقرص رأسك."
شعر حسنين أن النمل يسري داخل رأسه، وأن انفجارًا سيحدث داخل دماغه، وأصبحت رأسه في حالة صداع دائم، وهو في غاية التحمُّل والعناد من أجل أن يصبح شعره ناعمًا كحسين فهمي.
بعد ثلاثة أيام جاء سامح ليزور شاعرنا الجميل فوجد حسنين على أحر من الجمر، وكان يتألَّم ويصرخ ويقفز كأنهم وضعوا رأسه في النار، فأخذه سامح وأغرق رأسه بالماء أولا ثم فك الجورب القديم والكيس البلاستيك، ووجد أن شعره متماسكًا كقطعة حلوى وأن السكر قد تجمَّد في رأسه، فطلب منه أن يغسل شعره جيدًا بفرشاة خشنة تستعمل لنظافة الحوض.
بدأ حسنين يصرخ وهو يفك الشعر الملتصق بالفرشاة القاسية، ولأنه وجد أن شعره لم يحدث له أي تغير مع حرمانه من المتعة التي كان ينتظرها في الإسكندرية فقد صرخ في سامح بأنه ضحك عليه، وأنه استهزأ به، لكن سامح أقنعه بأنه هو من أفسد الطريقة بهرشة واحدة هرشها في شعرة وأن التجربة لم تكتمل بعد وأن لها بقية يمكن بها إصلاح ما فسد.
بدأ الأمل يظهر في وجه حسنين مرة أخرى، وأشرقت ملامحه من جديد ومسح شعره وبدأ يستمع لسامح، فقال سامح إن معه بطيخة بعد أكلها يمكنه أن يستعملها مع قليل من الملح والشطة.
صرخ حسنين وحمل حقيبته وانطلق عائدًا ولم يعد للإسكندرية إلا بعد رحيل سامح عنها.
التعليقات