في كثير من الأحيان أفقد قدرتي على العدو أو السير والحركة، يخيل إليّ أني بلا أقدام بلا أيدي.. توقفت تماما على طريق ما وأصبح لي جذور ضاربة ولا انتقل.
أين اختفت قدماي؟ لماذا لا أتحرك؟ وهل فقدت ذراعيّ؟ لماذا لا أغادر؟ الجميع يسعى من حولي وقد توقفت مكاني؟ فقدت قدرتي على الكلام فهل سأصمت للأبد؟ ها هي روحي تصرخ ولا يسمعني أحد.
يبدو أنه آن الآوان أن أتوقف!!
صديقي أليس هذا حالنا في كثير من الأحيان، ألسنا في حاجة أن نتحول في وقت ما من إنسان إلى شجرة؟
بلى، فهناك من يحتاج أن ينبت تحت ظلك، هناك من يحتاج أن تقيه حر الدنيا وقيظ لهيبها، هناك من يحتاج أن يستظل تحت فروعك، وهناك من يستدل بناصيتك على طريق كاد أن يضل خلاله.
كان لابد لك أن تتوقف، كان لابد ألا تتسائل، كان لابد أن تؤدي كل الأدوار المنوط بها توقفك، كان هناك من يسعى خلفك، كان هناك من يحتاج أن تطعمه ثمارك وإلا هلك، وكان هنالك من افتقد اللون الأخضر وعندما تحولت إلى شجرة سَكَن تحتك.
هل سألت نفسك يوما هل تستريح الأشجار؟ قد تؤلمنا بعض الإجابات لكنها لم ولن تفعل … وكذلك أنت!
هناك أشجار خيمية وارفة الظلال، وأخرى مخروطية محدودة الظل، وهناك أشجار مستديمة الخضرة وأخرى متساقطة الأوراق … لكنها كلها أشجار وكلها تؤدي رسالة ما خلقت من أجلها.
يا عزيزي كلنا أشجار!
حتى عندما تنتهي دورة حياتها، ينبت خلفها بذورا من نسلها الأصيل يكمل دورة حياتها ليستمر النوع الأصلح والأقوى والأبقى أثرا.
من الممكن أن نتخيل أن الأشجار هي حالة السبات الأبدي على الارض، لكني هنا لأثبت لأحبتي عكس ذلك.
أينما تَنَدَّت بذورك … أنبت، وأزهر!
أعلم أنك لن تجد من يتفهم رغبتك في أن تستريح، فلم يرى أحدا شجرة جالسة.
لكن ... تلك البقعة الخضراء قادرة على تحويل أكثر الأراضي فقرا لغابة وغاية غنّاء، فقط هي بحاجة للماء والغذاء والدعم ليستمر لونها الأخضر زاحفا على الأرض، وما هي إلا سنوات طالت أو قصرت تترك من خلفها خير يُنتفع به.
ورغم تعدد طرق تكاثر الأشجار تظل البذور هي أيسر وأسرع طرق النمو، تظل مليارات الثمار التي تجنيها هي محصول حصاد قلوب الأشجار.
في كل مرحلة من عمري احتجت أن أتوقف مثل الأشجار؛ دربت نفسي ألا أجزع ألا اهتز وألا يربكني التوقف.
إبحث عن الحكمة فيما يحدث لك، ستجد أن لولا وجودك لفقد الكثير من الأحبة أُنس الرحلة وأمن الوصول، لولا أنك توقفت وكانت لك تلك الأفرع الخضراء الحانية، لولا أن كنت هذا الظل الذي يستريح تحته المتعبين، لولا أن ثمارك يلتقطها الأحبة، لولا هذا الجدول الصغير الذي يسري من تحتك لهلك المارين، ولولا جودة الطرح ما امتلأت القلوب.
إذا كنت أجدت دورك فقل بفخر "أنا شجرة"!
لا تزكي نفسك، الله أعلم بمن اتقى، ولكن كن تلك المنارة التي يشار إليها من بعيد، لا تتحدث عن نفسها ولكن يأتي الجميع ليلتقط
صورة خالدة معها.
صديقي.. إن تلك السويعات التي نقضيها على الأرض بكل ما تطوي من سنون خادعة إن لم تستثمرها.
من اليوم تخلى عن قدميك ويديك وصوتك، اعمل في صمت، ولا تتحدث عن عملك. كن حاضرا في أدق زوايا من أحببت، توقف عندما يتوقفون وكن لهم أبهى شجرة.
علمتني الدنيا أن اتبع قلبي، وقد كان لي خير مرشدا، لن يخيفني أن أتوقف وتتعدل طريقة معيشتي، لن يبهرني من يركضون، لست في سباق مع أحد، أنا تماما حيث مقدر لي أن أكون، من اليوم لن أخاف إذا خفت صوتي أو قلت سرعتي فقد تعلمت من دربي أن من الخير لي في معظم الوقت أن أظل شجرة.
التعليقات