أم روماني تُحِب أمي وأنا أحب روماني، أذهب إليهم كل أحد، بعد أن يعودوا من الكنيسة يحملون خبزاً طازجاً له رائحة الجَنَّة وطَعْم يُشبه لحم المسيح الحلو، آكله وأستمتع وأرى عين أم روماني تبتسم لي وتحكي لي عن مائدة السَّمَاء ودَم المسيح، فنذهب أنا وروماني نلعب في الشَّارع بِحُرِّيَّة تشبه صعود المسيح إلى السَّمَاء وانطلاقه عند الله حَيَّا.
روماني يأتي إلينا يوم الجمعة، يأكل طعام أمي بلذَّة، يقضم الخبز ويقول: “هل هذا خبز النَّبِي؟”. فتحكي أمي عن صيام الرَّسول وطعامه البسيط، وتضع أمام روماني فاكهة التين والعِنَب، وتقول: “إنَّ الله ذكرهما في القرآن”. فيضع روماني حَبَّة تين كاملة في فمه ويقول: “تين الرَّبّ وعنب الرَّبّ”. تبتسم أمي وتفتح المصحف فنجلس جانبها نستمع لصوتها الحنون ويُرَدِّد روماني مثل نغم أمي وكله خشوع.
سألتُ أمي عن الطَّبَق الأبيض الجميل النَّظيف الصَّافي بلا عكارة والموضوع دائماً علي المِنْضَدة، فقالت أمي إنَّه لأم روماني، وأنَّ الكعك الذي أكلته أنا اليوم هدية من أم روماني، وكان كعكاً لذيذاً جداً ويشبه لحم المسيح.
حين رأيت نفس الطَّبَق عند أم روماني نظيفاً ومُغَطَّى ورأتني أنظر إليه، قالت: “هذا طَبَق المَحَبَّة، بيني وبين أمك، أنا أرسلُ لها فيه ما أحبه من أطعمة وهي تُرسل لي فيه ما تحبه، أنا لا آكل طعاماً لذيذاً إلا إذا أكلتْ منه أمك”.
وأنا أُطِل من النَّافذة، وكان يفصل بين بيتنا وبيت أم روماني جدار وحيد بمساحة طوبة كبيرة، أعطتني أمي الطَّبَق المُغطَّى مليئاً بحلوى مولد النَّبي وقالت: “أعطه لأم روماني”. ناديت على أم روماني فظهر روماني مبتسماً وأخذ الطَّبَق من يدي ودخل، وقبل أن أتحرَّك من النَّافذة، ظهر روماني مَرَّة أخرى وأعطاني نفس الطَّبَق المُغَطَّى فاتفقنا على أن ننزل ونلعب في الشَّارع.
خشيتُ أن أكشف ما في الطَّبَق فدخلتُ لأمي مسرعاً، فأعطتني قطع البسكويت الطَّازجة من قلب الطَّبَق، فتذوقتها وكانت حلوة، ودَسَّتْ في جيبي قطعتين من حلوى مولد النَّبي.
حين رأيتُ روماني أعطيته قطعة الْحَلْوَى فأعطاني البسكويت اللذيذ، ومشينا نأكل في سعادة وهو يتلذَّذ ويقول: “حلاوة النَّبي”. وأنا أردِّد: “بسكويت المسيح”. وأنا أترنَّم وهو يردِّد آيات من القرآن.
في الفصل، جاء مفتش اللغة العربية وسأل عن آية في المنهج وسأل عمن يحفظها.. سكتنا جميعا حَتَّى أُصِيبت الأستاذة بالوجوم والرِعْدة، مَرَّ المفتش وهو يردِّد: “القرآن، ألا يحفظ أحد”.. وظل يردِّد القرآن، القرآن، فرفع روماني يده فكتمنا جميعاً ضحكنا، ونظرتْ الأستاذة لروماني تدعوه بنظرة شديدة لأن يسكت، لكنه ظَلَّ رافعاً يده حَتَّى رآه المفتش، فطلب منه أن يردِّد ما يحفظ.
ظَلَّ روماني يردِّد القرآن بصوت متناغم حَسَّاس يشبه صوت أمي، فاحتضنه المفتش ورفع صوته: “بارك الله فيك”. وخرج، فاتجهتْ إليه الأستاذة فانكمش روماني، لكنها أخذته في حضنها وطبطبت عليه والتففنا جميعاً حَوْله وهو يردَّد آيات القرآن بصوت عذب رقيق خارج من قلب المسيح.
التعليقات