المسئول عن الكتابة للطفل، كل كاتب، وكل أديب يجد في نفسه الشجاعة والموهبة كي يكتب لهذه الفئة من المجتمع. وأقول الشجاعة لأن الأمر فعلا يحتاج إلى نوع من الجرأة، والمخاطرة، بل والمغامرة، لحين يثبت الكاتب أو الأديب لنفسه أولا أن لديه القدرة على ذلك. فليس كل كاتب وكل أديب يتمتع بالمقدرة على الكتابة للأطفال، وليس الأمر موضة أدبية يجري وراءها كل من أمسك بالقلم.
الكتابة للطفل شيء أكبر من ذلك بكثير، وهذا الأمر يحتاج إلى معايشة كاملة للأطفال، ومعرفة أحاسيسهم ومشاعرهم وما يهزهم ويطربون له، ويحزنون عليه، ويسعدون به، ليس الأمر مجرد تقليد لما يكتبه الغرب، فطفل الحضارة الغربية، غير طفل الحضارة العربية، وعندما أدرك بعض كتابنا ذلك، بدأوا يكتبون خصيصا للأطفال، وأقلع بعضهم عن عملية الترجمة التي انتشرت في وقت من الأوقات.
وبطبيعة الحال فإن الذي يكتب للأطفال يحتاج إلى نوع من التشجيع كي يستمر في أداء رسالته، ويتمثل هذا التشجيع في رأيي في الاهتمام بما يكتبه كاتب الأطفال، وطباعته بمواصفات طباعية معينة، تأخذ في الاعتبار مراحل الطفولة المختلفة، فالكتب المطبوعة للأطفال في سن 3 – 6 سنوات، يجب أن تختلف عن الكتب المطبوعة لمرحلة سنية أخرى .. وهكذا.
بطبيعة الحال لو وجد كاتب الأطفال أن كتبه تطبع بالطريقة الملائمة التي يتخيلها أثناء الكتابة، لعد ذلك من وسائل التشجيع المحفّزة على الاستمرار. أيضا المكافآت المادية نوع مهم من وسائل التشجيع التي تساعد على استمرارية الكاتب في هذا المجال. أيضا النظر بعين الرعاية والاهتمام إلى ما يكتبه كاتب الأطفال، فقد كان ينظر إلى كاتب الأطفال على أنه أنه أديب من الدرجة الثانية أو الثالثة، وعلى سبيل المثال عندما بدأ الشاعر العراقي معروف الرصافي يكتب للأطفال واجه انتقادات بعض الشعراء، وكان من بين الذين هاجموا الرصافي الشاعر جميل صدقي الزهاوي الذي اعتبر هذا النوع من الشعر ضعفا في المستوى الأدبي، وذلك بعد أن نشر الرصافي "تنويمة الأم لطفلها" عام 1923 في مجلة "المرأة الجديدة". هكذا كان ينظر إلى أدب الأطفال بعامة، وشعرهم بخاصة، على أنه أدب أو شعر من الدرجة الثانية أو الثالثة. واستمرت نظرة الناس إلى الشاعر الذي يكتب للأطفال على أنه مفلس شعريا، أو أنه يعاني من الضعف الشعري واللغوي.
وكان الأدباء يكتبون أدبا للأطفال على استحياء لدرجة أنهم كانوا يخفون ذلك على نظرائهم أو قرائنهم، وعلى سبيل المثال ظل كامل كيلاني – رائد أدب الأطفال والمتوفى عام 1959 – يخفي على صديقه وزميله في وزارة الأوقاف - نجيب محفوظ أنه يكتب أدبا أو قصصا للأطفال، خشية السخرية منه.
أيضا من ضمن وسائل التشجيع إدراج أدب الأطفال ضمن الجوائز الأدبية التي تمنحها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية لفروع الأدب المختلفة، وإدراج مادة أدب الأطفال في كليات إعداد المعلمين المختلفة، وإدراج بعض الأعمال الأدبية الجيدة (شعرا وقصة ومسرحية) التي يقدمها أدباء الأطفال في المناهج الدراسية للمرحلة السنية التي يكتب لها الأديب، بدلا من الاعتماد على ما يؤلفه بعض المدرسين أو الموجهين التربويين غير الموهوبين في مجال التأليف.
التعليقات