للشاعر السوداني عبدالرحمن علي طه (1901 – 1969) قصيدة طريفة بعنوان "رحلاتي السعيدة" تتألف من 27 بيتًا جاءت من بحر الرجز مزودج القافية، وهي قصيدة أقرب إلى أدب الرحلات، وكأنها فصل منظوم من فصول رحلة ابن بطوطة، ولكن داخل السودان، وفيها ترد أسماء بعض الأماكن وأسماء بعض الأشخاص، بطريقة سردية طريفة خفيفة، تصل مباشرة إلى إذن المستمع أو عقل القارئ، بما فيها من تقريرية ومباشرة تنفي اللجوء إلى أي صورة شعرية محلقة أو تعبير فني أو مجازي جديد. ولعل هذين البيتين يؤكدان ما ذهبنا إليه:
وآخر الرحلات كانت "عطبره" ** حيث ركبتُ من هناك القاطرهْ
سرتُ بها في سفرٍ سعيدِ ** ** وكان سائقي عبدالحميدِ
ومن الأماكن التي ذكرها الشاعر في رحلته السعيدة: القولد (مدينة في شمال السودان، تقع على ضفة نهر النيل بالقرب من الحدود المصرية)، وريره (واحة تقع شمال غرب الصباغ حاضرة محلية البطانة بثلاثين كيلومترا، وتعني كلمة "ريرة" بلغة البجا "الحسناء") ونزلها الشاعر صيفًا عند مضيفه "القرشي"، والجفيل (وهي قرية شمال كردفان) و"بابنوسة" (وهي مدينة تقع في ولاية غرب كردفان) و"يا مبيو" (وهي مدينة في جنوب السودان. عاصمة ولاية غرب الاستوائية بالقرب من الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية) وهكذا ينتقل الشاعر من الشمال إلى الجنوب في سلاسة، لذا يضيف كلمة البعيدة إلى "يا مبيو"، فيقول:
ما زلتُ في رحلاتيَ السعيده ** حتى وصلتُ "يا مبيو" البعيده
ويصفها بأنها: منطقةٌ غزيرة الأشجارِ ** لما بها من كثرةِ الأمطارِ
بالإضافة إلى قرية "ودْسلفاب" (تقع على بعد 7 كيلو مترات غرب الحصاحيصا التي توفي فيها الشاعر)، وأم درمان (وما بها من كثرة السكان) وأخيرًا "عطبرة" التي كانت آخر الرحلات في القصيدة.
ويأبى الشاعر أن تنتهي قصيدته الرحلية دون أن يذكر فيها الوطن وعشقه له، فيقول:
ولا أشكُّ أنّ في بلادي ** ما يستحقّ الدرسَ باجتهادِ
فابشِرْ إذًا يا وطني المفدّى ** بالسعي مني كي تنال المجدا
يذكر أن الشاعر عبدالرحمن علي طه ولد في مدينة أربجي عام 1901، وتوفي في مدينة الحصاحيصا عام 1969 (والاثنتان تقعان على النيل الأزرق). تلقى تعليمه الأولي في مدرسة المسلمية، ثم التحق بالمدرسة المتوسطة بمدينة رفاعة وتخرج فيها، ثم درس بكلية غردون التذكارية، قسم المعلمين. وعين معلمًا عام 1922. وفي عام 1948 عين أول وزير معارف بالسودان.
انضم إلى الإمام عبدالرحمن المهدي زعيم الأنصار بالسودان، وكان من مؤسسي حزب الأمة مع الإمام، بعدها أصبح العضو المفاوض باسم الحزب مع المستعمر البريطاني.
له قصائد وردت ضمن كتاب: "أستاذ الأجيال عبدالرحمن علي طه بين التعليم والسياسة"، وله قصائد وردت ضمن كتاب: "سبل كسب العيش في السودان"، وله بعض القصائد قررت على مناهج التعليم الابتدائي بالسودان. كما كتب بعض المسرحيات التربوية في التاريخ العربي والإسلامي.
يقول معجم البابطين للشعراء الراحلين في القرنين التاسع عشر والعشرين عن الشاعر عبدالرحمن علي طه: "ما توفر من شعره قطعة من أرجوزة (30 بيتًا) وهي ذات بناء يقوم على عشر وحدات ثلاثية الأبيات، تتوحد في أوزانها فيما تنتظم القوافي على التصريع بين شطري البيت الواحد (الرجز المزدوج)، والقصيدة تمضي على هذا النحو، فهو نظم وصفي يخلو من المعنى الشعري سلس اللغة، محكم البناء، متماسك في بنيتة الموضوعية حتى لتبدو القصيدة صورة قلمية واحدة ذات طابع سردي ووصفي فيه طرافة وإفادة من فنون البديع، بما يجعلها أقرب إلى المقامة المكتوبة نظمًا".
التعليقات