التيلي ماتش (بالإنجليزية Telematch) هو الاسم العالمي لبرنامج ألماني بدأت إذاعته عام 1967 واستمر حتى عام 1980.
برنامج مسابقات بين عدة فرق يقام باستاد مفتوح، يرتدى اللاعبون ملابس مضحكة أو ملابس تمثل الزي الشعبي لبلدهم. صممت الملابس بطريقة معقدة لزيادة صعوبة اللعب وإعاقة حركة اللاعبين مما يزيد التحدي بين الفرق المشاركة. ينتقل اللاعبون من مكان لمكان ومن لعبة لأخري لإحراز نقاط يتم تجميعها في النهاية لإعلان الفريق الفائز.
حقق البرنامج نجاحا جماهيريا كبيرا حتى انه تم دبلجته بعدة لغات ليعرض ف معظم دول العالم.
لا أعرف لما شبه الي هذا البرنامج بحياة الانسان على هذه الأرض. وكأن حياتنا ما هي الا مسابقة من مسابقات التيلي ماتش المليئة بالصعوبات والتحديات. منذ ان تبدأ وحتى نهايتها ونحن نركض من هنا لهناك ونسعى بين هذا وذاك راجين مفازة. وقد اختلط للأسف على الناس مفهوم المفازة وأصبح السعي من أجل أغراض دنيوية فانية. لكنني هنا أتحدث عن المفازة الحقيقية التي وعدنا الله إياها (الجنة).
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران 185].
وما أشبهنا بلاعبي التيلي ماتش تثقل أجسادنا روح محملة بأعباء وهموم في طريق ليس بسهل، يعوق سيرنا فيه مغريات تلهينا وتبعدنا عن الهدف الرئيسي. لكن يظل الأمل قائما في فكرة تجميع النقاط فحتى لو تشتت ذهننا وخسرنا مرة أو انحرفنا عن طريق المسابقة فالفرصة في الفوز موجودة مرات أخري.
هي النقاط اذن..
من عدله سبحانه وتعالي ان أعمالنا ستوضع فوق ميزان، الطيب منها في كفة والخبيث في الكفة الأخرى، ومن كانت كفة طيباته هي الراجحة أصبح فائزا. قال تعالي:} فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون {[المؤمنون: 102-103].
من قال اذن ان الانسان اما صالحا أو فاسدا، ملاكا أو شيطانا. من له الحق في تصنيف غيره بالفاسد، الفاسق، الماجن أو الفاجر. ومن قال ان كل هؤلاء لا يحق لهم فعل الطيب حتى ولو القليل منه. ومن حكم أنه قليل بالأساس؟! فشرط الاجر للعمل الصالح هو القبول من الله عز وجل ولا شريك له في هذا، وحده يعلم بواطن الأنفس وخفاياها. من يحكم بصحة توبة عاص غير الله؟! لقد قال عز وجل في سورة هود: “إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ “. وحده الحكم العدل يمحو بحسنة واحدة صادقة من القلب مئات السيئات والعكس صحيح. لما ينصب بعض الناس أنفسهم اندادا لله على الميزان. أليس من الممكن ان يعد هذا من تصنيفات الشرك بالله؟! فتكون السيئة التي تدك جبال من الحسنات.
هل يمنح النقاط بلعبة التيلي ماتش أي من اللاعبين؟! وحده الحكم له الحق في هذا. اللاعب عليه فقط مواصلة السباق للفوز بالنقاط الصحيحة، وعليه التركيز في مساره وعدم الالتفات لغيره والا ضاع وقته وحبط عمله وخسر نقاطه.
ومن رحمته تعالي أن جعل تجميع النقاط له وسائل متعددة تناسب طبيعتنا البشرية المختلفة من شخص لأخر. اذكر جملة للفنان محمود عبد العزيز في أحد أفلامه (الانسان دعيييف) اشتهرت الجملة ك (افيه)هزلي مع انها عين الحق (الانسان ضعيف) لكن تختلف نقاط ضعف كل منا عن الأخر. فلسنا نصلح لنفس المسابقة. لما نقسو على أنفسنا او على بعضنا البعض فليعمل كل منا حسب قدرته وظروفه ولله الحكم. فلا تستصغر عملا ولا تستعظم سيئة. فقط ركز على تجميع النقاط واثقال الميزان.
بشرنا رسول الله ﷺ: لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق [رواه مسلم]. وعَنْ عَدِيِّ بنِ حاتمٍ - رَضْيَ اللهُ عَنْه - قَالَ: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: «اتَّقُوا النَّار ولو بِشِقِّ تمرةٍ»..
لو كنا لا نملك من الخير الا شيء بسيط فلنكثر منه لعله بداية لشيء أكبر فيما بعد.
وقد قال صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم ".. فلا يأس حتى مع كثرة السيئات. فمن رحمته تعالي أيضا ان جعل السيئة تتبعها حسنة فتمحها، وهو التواب الرحيم.
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتَّقِ اللهَ حيثُ كنتَ وأتبِعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُهَا وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ" رواه الإمام أحمد والترمذي. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمات ينصح بها معاذ بن جبل رضي الله عنه. منة من الله وفضل عظيم أن جعل الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، أي فضل من الله ورحمة أكثر من هذا.
الحياة لعبة مكسب وخسارة والعبرة بالنهاية.
فقط جمعوا النقاط.
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
التعليقات