لما أتي أمر الله لنبيه إبراهيم بهجرة زوجته هاجر ورضيعها إسماعيل الى مكة وتركهما في الصحراء في مكان لا زرع به ولا ماء، أخذ سيدنا إبراهيم بالأسباب ونفذ أمر ربه. ودعا ربه ان يتولاهما (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
وما كان من السيدة هاجر الا ان رَضِيتُ بأمر اللَّهِ. وأخذت تأكل وابنها مما ترك لهما زوجها من طعامٍ وشرابٍ، حتى نفذ الماء واشتدّ عليهما العطش، فأخذت تركض يمينا ويسارا لتبحث عن ماء أو أحد تستجير به، فتصعد جبل الصفا تارة لتنظر الى الوادي فلا تجد شيئا، فتهبط وتهرول الي جبل المروة تارة أخرى فتصعد وتهبط ولا تجد شيئا. سبع مرات تحت اشعة الشمس الملتهبة وفوق الرمال الحارقة حتى بعث الله سبحانه وتعالى مَلَكًا ليفجر عينًا من الماء تحت قدمي إسماعيل عليه السلام ليرتوي هو وأمه.
ويأتي فضل الله عظيما ليكون أثر سعيها تكريم لها ولابنها، فيكون ابنها مأمورا فيما بعد ببناء بيت الله الحرام هو وابيه. وتصبح مكة مقصدا تهوى اليه الأفئدة.
ولكن أذا كان كل هذا مقدرا من الله عز وجل لِمَ لم ينزل الملك مباشرة بعد ترك سيدنا إبراهيم لها ولابنها؟!
لِمَ لم يستجاب دعاء سيدنا إبراهيم في حينه؟!َ
لِمَ تركها الله تسعى وتهرول بين هنا وهناك. حتى أصبح السعي، أسوة بما فعلت، من شعائر الحج؟!
أيعلمنا الله السعي؟!
السعي في اللغة العربية يعنى الإسراع في المشي.
وردت كلمة السعي ومصادرها في القران الكريم حوالي 30 مرة.
وكان المقصود بها ليس المعني المجرد للكلمة فقط انما أيضا الاخذ بالأسباب والعمل على الشيء بإخلاص وكد.
والسعي نوعان محمود ومذموم.
السعي المحمود هو السعي لما أمرنا الله به، كالسعي للأخرة بعمل الطاعات والبعد عن كل ما نهي الله عنه وعمل الخير للنفس وللغير والحث على المعروف واجتناب المعاصي، طلب العلم أيضا من السعي المحمود لما فيه خير للإنسان ولأمته. وكذا السعي لعمارة النفس وللأسرة والمجتمع ككل، السعي لصلة الأرحام وحب الناس ونشر مفاهيم العدل والمساواة.
أما السعي المذموم هو عكس كل ما قيل، كالسعي وراء الدنيا وشهواتها والبعد عن العمل للأخرة. السعي لغواية الأخرين والصد عن سبيل الله. السعي لخراب النفس وتدميرها والبعد عن كل ما هو نافع. السعي للإفساد في الأرض وكره الخير للغير ومحاربة النجاح.
ولما كان الانسان مخير، فعليه أن يختار بين النوعين ويحدد طريقه ووجهته، وبناء عليه يأتي الجزاء من الله عز وجل. فالله عدل.
فمن سعي للخير سيلقي خيرا في الدنيا وخيرا في الأخرة ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾.
ومن سعي للشر سيلقى شرا في الدنيا والأخرة ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾.
فليختر كل منا لحياته ويعمل لما يحبه ويرضاه.
﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾.
التعليقات