ثالوث أنثوي عبده العرب قبل الإسلام في زمن عرف بالجاهلية.
اللات: قيل إنه اللفظ المؤنث لاسم (الله).
وقيل إنها جاءت من كلمة (لاته) و(لاته عن الأمر) أي حبسه عنه وصرفه. والمقصود أنها كانت تحبس عنهم الشر وتصرفه.
وروى عنها البخاري في صحيحه: عن ابن عباس رضي الله عنهما: ان اللات رجلاً محسنا يدعى (صرمة بن غنم) كان يلت سويق الحجاج. اي يعجن العجين للحجاج ويخلطه بالسمن ويطعمهم إكراما لهم، فلما مات عظموه وجعلوه إلهًا.
وقيل إن اللات هي الصخرة البيضاء التي كان يجاس عليها (صرمة) لإطعام الحجيج، وإنها ربما كانت حجرا بركانيا أو نيزك اتي من السماء للأرض. فشيدوا لها بيت في الطائف واسموه (بيت الربة) وجعلوا لها كسوة تضاهي كسوة الكعبة. ومن تحتها حفرة كبيرة يوضع بها ما ثمن قدره من القرابين والهدايا بغرض التبرك والنصرة ودفع الشر. بل أصبح من سبل التبرك بها التسمية باسمها (عبد اللات).
العزى: يقال إنها تأنيث كلمة (الأعز) أي ان معناها العزيزة.
وقيل انها (سمرة) أي شجرة ذات أشواك. وذكر الامام الشيخ ياقوت الحموي في موسوعته الشهيرة (معجم البلدان) انها كانت شجرة عبدتها قبيلة غطفان فبنت عليها بيتا للعبادة اسموه (بُسّاً) وقدموا لها أيضا القرابين والهدايا. وإنها كانت أعظم الأصنام عند قريش حتى كان من ضمن اسماهم (عبد العزي).
مناة: قيل إنها مأخوذة من الاسم (منان) أي كثير الفضل والنعم.
وقيل انها سميت بذلك لأن الذبائح كانت (تمني) عندها، فتراق عندها الدماء من أجل استجلاب المطر.
ولم يذكر المؤرخون لها شكلا محددا، انما ذكر فقط انها كانت من آلهه (الأوس والخزرج) وقد أقاموا عليها بيتا يسمى (المشلل) يحجون اليه. وأيضا تسموا باسمها (عبد مناة).
جاهلية جعلت من الوثن إله يعبد ويبجل، وتبذل من أجله أثمن العطايا ليست المادية فحسب، وانما المعنوية أيضا فيصبح مقيدا للعقول ومتحكما بالمصائر بدون أي معطيات تذكر. حتى جاءت شريعة التوحيد تدعو لعبادة إله واحد أحد لا شريك له. دعا إليها أنبياء ورسل مفوضين من قبل الخالق الواحد، مسلحين بأدلة وبراهين قاطعة لا ريب فيها. شريعة تدعو لإعمال العقل والتفكر والاستنباط قبل الايمان بها. فلنتفكر أولا ثم يأتي التسليم واتباع الأوامر.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل:36).
جاهلية نهي الله عنها. فما بالنا هذه الأيام نعود اليها وبقوة. فيصبح تأليه الأشياء والاشخاص من سمات مجتمعنا. تأليه بعصبية قبلية لا تحتمل الرفض او حتى النقاش. لا أحكام فيها للعقل ولا للتفكر.
أصبح لكل شيء فريقين مؤيد ومعارض والمحايدون في ذمة الله. فاذا تحدثنا عن حاكم، أو سياسي، أو ذو منصب مثلا، أو مدير في مؤسسة ما، نجد فريقا يرفعه لمرتبة الإله ذو الفضل العظيم الذي لا يخطئ ولا يجور وفريق أخر يضعه في مرتبة الشيطان الرجيم فهو جاحد خارب لكل شيء. لما لا نقول إنه إنسان له أوجه نجاح وأوجه فشل. لما لا نعترف بنجاحه في جزئية معينه وفشله في غيرها. لما لا نقيمه بحيادية.
لما نجعل من يخالفنا الرأي عدو لنا، أو ليس اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية؟!.
لو جئنا على ذكر فنان ما فهو اما (فاشل) واما (مافيش زيه). لما لا تكون اعماله الفنية بعضها مميز وبعضها (معجبنيش) عادى ونظل نحبه ولا مشكلة. لماذا لا يكون حلو الصوت مثلا لو كان مطرب، لكنه سيء في اختيار بعض أغانيه. لما لا أحب صوته وأغانيه وانتقد طريقة لبسه أو افعاله أو ما شابه وبمنتهى الحيادية. لماذا يجب ان يكون الأسطورة في كل شيء؟ وإذا سمعت العكس يصبح فلان صاحب الرأي الضد (مبيفهمش).
حتى الصيف والشتاء أصبح لكل منهم فريق كاره للأخر. فاذا جاء الشتاء قضيناه سب ولعن في محبي الشتاء والعكس صحيح. لما لا نحب الربيع أو الخريف؟ لماذا أصبحت الوسطية منعدمة؟! لما لا أحب في الشتاء ملابسه الانيقة والجلوس في المنزل ودفء العائلة وأكره فيه الغيوم والسحب والظلام المبكر. لما يجب اما أن احبه أو أن أكرهه؟!! أقصى اليمين أو أقصى اليسار.
جاهلية تمكنت وأحكمت قبضتها على العقول والأنفس ليعود بيننا عبد اللات وعبد العزى وعبد مناة.
التعليقات