أستطيع أن أقول إنه: لا توجد حاليا أزمات نشر مثل التي عاصرتُها في السبعينيات من القرن الماضي على سبيل المثال، حيث لجأ وقتها عددٌ كبيرٌ من الكتَّاب إلى ما يسمى بطباعة الماستر. الآن النشر الإلكتروني حلَّ هذه الأزمة، وأصبح الكثيرون يتجهون إلى منصات النشر الإلكتروني لنشر أعمالهم، وهي منصات تتصف بقلة التكلفة إن لم يكن انعدامها، ووصول العمل إلى أي مكان في العالم، على عكس القيود المفروضة على النشر الورقي. ولكن النشر الإلكتروني له أيضا بعض المعوقات أو السلبيات منها على سبيل المثال أن الكثير من القراء لم يتعودوا على القراءة على الشاشات. ومنها أن على الكاتب نفسه إجادة التعامل مع أجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، فإذا لم يُجِد التعامل معها، فلن يستطيع التفاعل مع تجليات النشر الإلكتروني.
ومن مشاكل النشر الورقي الآن، التكلفة العالية للطباعة، على الرغم من وفرة المؤلفات المطروحة، فكل مَن معه مبلغ من المال من الممكن أن يطبع عملا له دون الالتفات إلى جودة هذا العمل، وخاصة لدى دور النشر الخاصة التي يهم معظمها الربح أو التربح قبل أي شيء. أما في مؤسسات النشر الحكومية فإن الأعمال التي تنتظر النشر كثيرة والطابور طويل، ولا يخرج العمل إلا بعد مرور أوقات طويلة قد تصل إلى أكثر من سنتين من تاريخ تقديمه.
وبعد النشر تأتي عملية التقييم النقدي، وأرى أن النقد لا يستطيع متابعة كل الإصدارات التي تقذفها المطابع بشكل يومي في جميع الأشكال الأدبية، وخاصة الرواية التي تُغرق أسواق النشر الآن، أكثر من أي نوع أدبي آخر.
هل الأزمة أزمة قارئ أم مبدع أم ماذا؟
أرى أن الأزمة أزمة مجتمع لم يتعود على القراءة، فلم تعد القراءة – في أي فرع من الفروع – هي الهاجس الأول لأفراد المجتمع، وإنما هناك أولويات أخرى، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الكتاب الورقي. من أهم الأولويات بالنسبة لأفراد المجتمع الآن توفير لقمة العيش في ظل الارتفاع الكبير وغير المسبوق في أسعار المنتجات وفي أسعار العملات الصعبة.
ولا أستطيع أن أعفي المبدعين أنفسهم، وخاصة هؤلاء الذين يعتقدون أن العملية الإبداعية هي كتابة فقط، دون قراءة. وأنا أرى أن العملية الإبداعية محصلة للقراءات والتفاعلات الإنسانية مع المجتمع المحلي والعربي والعالمي، ثم تأتي الكتابة لبلورة مثل هذه التفاعلات من خلال رؤى داخلية أو خارجية للمبدع نفسه في الشكل الذي يختار أن يكتب أو يظهر به إبداعه.
هل التقدم الرهيب في وسائل الاتصال أثَّر بالسلب أم بالإيجاب على النشر؟
أعتقد أن هذا التقدم الرهيب في وسائل الاتصال أثَّر بالإيجاب على النشر، لأنه على الأقل يعرفنا بما صدر من كتب جديدة داخليا وخارجيا، كما أنه يسمح لنا بتنزيل الكثير والكثير من الكتب والموسوعات، عن طريق بعض المكتبات الإلكترونية التي تسمح بإنزال مثل هذه الكتب والموسوعات بالمجان. كما أن هذه الوسائل تسمح للناشر الورقي أو التقليدي بالترويج لكتبه وكتابة نبذة عنها، فيعرف كل مهتم بإن هناك كتابًا جديدًا صدر في الموضوع الفلاني. كما أن هذه الوسائل تسمح بانتقال الكتاب – في العالم - عن طريقة بعض الصيغ الإلكترونية ومنها صيغة PDF على سبيل المثال، وذلك عندما يعجز الكتاب الورقي عن الوصول إلى مناطق معينة، سواء كان هذا الانتقال بالمجان أو بدفع مقابل مالي.
المهم أن هذا التقدم يسهم في الرواج للكتب الجديدة، مما يؤثر بالإيجاب على حركة النشر عموما سواء الورقي أو الإلكتروني.
ما نوعية الكتب التي يقبل عليها القارئ؟
كلٌّ حسب اهتمامه واختصاصه، فالمهتم بالكتب الدينية سييبحث ويقبل عليها، والمهتم بالكتب الأدبية سيبحث ويقبل عليها، والمهتم بكتب الطب أو الهندسة أو الجغرافيا سيبحث عنها ويقتنيها، والمهتم بالكتب السياسية سيفعل هذا أيضا. وهكذا.
إذن هناك تخصصات معينة يُقبل عليها قارئها لأنها قد تنفعه في مجالات اهتمامه واختصاصه.
ولكن بصفة عامة أرى أن هناك إقبالا على قراءة الروايات والمذكرات الشخصية للشخصيات العامة، وكتب التنمية البشرية، أكثر من الإقبال على دواوين الشعر والكتب النقدية مثلا. ولكن الأمر قد يحتاج إلى رصد آخر بطريقة علمية وإحصائية لنعرف اتجاهات القراءة في مجتمع معين. ولعل الأمر أيضا يكون أكثر أيضاحا لدى الناشر أو الموزِّع، فهو يستطيع أن يرصد أي الكتب لديه تحقق أرقامًا أكبر في التوزيع بصفة عامة.
الفئات العمرية الأكثر قراءة، الشباب أم كبار السن؟
الملاحظة العامة تقول إن كبار السن هم الفئات العمرية الأكثر قراءة من الشباب، ولكن إذا تأملنا زوَّار معارض الكتاب مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب، سنجد أن الشباب هم الذين يقتنون كتبًا أكثر من الكبار. فهم الذين أراهم يحملون أكياس الكتب أكثر من الكبار. ومعظم الرحلات التي تتم للذهاب لمعرض الكتاب، أكثرها من الشباب.
وأحيانا أتساءل هل هؤلاء الشباب الذين اشتروا هذه الكتب سيقرأونها، أم هي للتباهي فقط وسط أقرانه، بأنه ذهب للمعرض واشترى كتبًا. أحيانا – وأنا في المعرض – أسمع عبارة يقولها شاب لزميله أو لزميلته: الكتاب دا جامد قوي؟ وعندما أحاول التلصص على هذا "الكتاب الجامد قوي" لا أجده (جامدا) بالنسبة لي. وهكذا تتفاوت التقديرات.
التعليقات