تثير عملية تطوير شرائح لزرعها فى أدمغة البشر، العديد من المخاوف، والقلق من انحرافات خطيرة ونوعية قد تعبث بمسار ومصير البشرية، تحدثنا عن جانب منها فى المقال الماضي، ونستكمل اليوم بيان أبعاد ودواعى تلك المخاوف.
ذكرنا أن أول هذه المخاوف يكمن فى الآثار الصحية الخطيرة والمسكوت عنها التى نتجت عن زرع الشرائح فى أدمغة الحيوانات، أما ثانى المخاوف فتتعلق باستخدام هذه الشرائح حيث إنها لن تقتصر على علاج بعض الأمراض، وإنما يتجاوز ذلك الى التعامل المباشر بين المخ والأجهزة الإلكترونية لتحقيق مهام ووظائف أخرى، وهو ما ذكره الملياردير الأمريكى إيلون ماسك، مالك الشركة التى تعمل على تطوير تلك الشرائح، حول الاستخدامات المحتملة لها، ومنها أنها سوف تمكن صاحب السيارة ذاتية القيادة، من استدعاء سيارته بمجرد التفكير فى الأمر. ومن ثم فإن هناك قلقا من أن تتحول هذه الشرائح فى تطورات لاحقة إلى أداة للشركات الكبرى للسيطرة على الزبائن. وهو أمر غير مستبعد فى ضوء حجم البيانات الهائلة التى تجمعها شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون وجوجل وفيس بوك ومايكروسوفت وتويتر عن مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى ومتصفحى الانترنت، من ثم فإنه من باب أولى قد تسمح هذه الشرائح الإلكترونية لمطوريها بمعرفة أفكار المستخدمين، فلم يعد التجسس قاصرا على المحادثات والاستخدامات للأجهزة الذكية وإنما وصل إلى ما يحدث فى عقلهم.
ثالثا: هناك مخاوف من ان تتيح هذه الشرائح العبث فى الذاكرة على المدى الطويل واستبدال معلوماتها بأخرى جديدة أو توجيهها للإقدام على أفعال معينة. أو محو الذاكرة الوطنية وما تحتويه من معان تتعلق بالمعتقدات والقيم والخصوصيات الحضارية والانتماء الوطني، وذلك لصالح ما يطلق عليه الإنسان العالمى فى ظل حديث البعض عن مؤامرات ما يسمى بالحكومة العالمية كتطور طبيعى لمحاولة العولمة الثقافية والسياسية والاقتصادية والدينية.. وفى هذا السياق نتذكر الاتهامات التى وجهت إلى بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت على إثر الحديث عن لقاحات لكورونا. وبغض النظر عن مدى صحتها فإن هذه الاتهامات تشير إلى العمل على أجندة سرية للسيطرة على العالم من خلال زرع رقائق فى البشر تحت مسمى اللقاحات لتكون بمثابة منصة رقمية مفتوحة المصدر وتتضمن معلومات عن كل شخص مزروعة فيه وموقعه، وتاريخه المرضي، فى إطار مشروع عالم كبير تسيطر عليه مجموعاتa متحكمة فى اقتصاديات العالم، يتضمن رقمنة كافة نشاطاتنا (مال- تعليم- اقتصاد- صحة).
رابعا: إن هذه الشرائح فى تطورات لاحقة سوف تمنح مستخدميها قدرات هائلة حيث يرى ستيف فولر مؤلف كتاب(Humanity 2.0)، انه فى عام 2045، سيندمج الإنسان مع الذكاء الاصطناعي، مما سيسمح له بزيادة ذكائه مليار مرة. مما أثار مخاوف المراقبين من ان هذه القدرات إذا تحققت، ستكون متاحة فقط للأثرياء، الذين قد يسيطرون على أدمغة بقية الناس، وفى هذه الحالة لا نعلم ما الذى يمكن أن يفعله أصحاب القدرات فوق العادية فى البشر العاديين وربما ستحدث حروب أو استعباد من نوع جديد.
خامسا: هناك تخوفات مشروعة من استخدامها فى الحروب حيث يمكن مراقبة الاشخاص المزروعة فى أدمغتهم هذه الشريحة والسيطرة عليهم وتوجيههم والتأثير فيهم بإعطاء أوامر للمخ من خلال الشريحة للقيام بأعمال قد تتضمن ارتكاب الجرائم. وهو ما يسمى (حروب الجيل السابع).
سادسا: قد تتيح هذ التقنية إمكانية استخدامها فى سرقة الأفكار والمعلومات من الأدمغة ومن ثم انتقال مجال القرصنة من عالم الأجهزة الإلكترونية الى جسم الإنسان وعقلة! فيما يسمى (بيوهاكرز) أى القراصنة البيولوجيين.
لكل ذلك فإن الامر يحتاج الى وقفة حضارية يشارك فيها العلماء من تخصصات بيولوجية وطبية وتشريعية بالإضافة إلى قادة الأديان وعلماء الاجتماع والنفس ونخبة من مثقفى العالم، تحت مظلة منظمات دولية كالأمم المتحدة، لبحث ضوابط للتعامل مع مثل هذه العمليات التى تعبث فى دماغ الانسان وقد تهدد مصير البشرية، ومراجعة واستكمال مواثيق حقوق الإنسان ومواثيق الشرف ومدونات ممارسة مهنة الطب، فى ضوء المستجدات العلمية الجديدة لحماية الإنسان من ناحية وفى الوقت نفسه عدم عرقلة جهود العلماء والأطباء عن ابتكار كل ما هو مفيد للبشرية.
التعليقات