عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ متفق عليه.
المضغة في اللغة العربية: قطعة تمضغ من اللحم أو غيره.
ومضغ الأمور: صغار الأمور.
ويشير الحديث أن المضغة هنا هي القلب. فهو قطعة لحم صغيرة بالجسد.
حديث صحيح يخبرنا يقينا ان صلاح هذه القطعة الصغيرة من الجسد هو صلاح للإنسان.
وصلاح الانسان يكون بصلاح عمله.
يقول الأمام الحافظ ابن رجب: (القوم إذا صلحت قلوبهم فلم يبقَ فيها إرادة لغير الله عز وجل صلحت جوارحهم فلم تتحرك إلا لله عز وجل، وبما فيه رضاه).
والجوارح: هي الأعضاء العاملة في جسد الأنسان مثل اليدين والأرجل.
أي ان صلاح قلبك الداخلي هو المحرك الأساسي لصلاح أعضائك، فتقرب لأعمال الخير وتسعى لها فعليا بما فيه طاعة لله عز وجل وتبعد عن مواطن الفساد وكذا مواطن الشبهات المؤدية للفساد.
والعمل الصالح هنا مشروط بالصدق النابع من القلب وليس عمل مظهري يخالف ما يضمره القلب بغرض الكبر والعجب أو بهدف الخداع. فالظاهر والحكم عليه يكون للناس، أما الباطن فهو لله، وحده يعلم.، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق :16].
والصدق هنا ليس بسهل، بل يحتاج لضبط النفس، والمجاهدة الشديدة. وجهاد النفس من أكبر مراتب الجهاد التي يثاب عليها الفرد.
وقد قيل عن ابن القيم: " فالجهاد أربع مراتِب: جهاد النفس، وجهاد الشياطين، وجهاد الكفار، وجهاد المنافقين".
وجهاد النفس: بأن يُجَاهِدَهَا على تَعَلُّمِ الهُدَى، والعَمَلِ به بَعْدَ عِلْمِهِ، والدعوة إليه، والصبر على مَشَاقّ الدّعوة إلى الله.
وجهاد الشيطان: جهاده على دفع ما يُلْقِي إلى العبد من الشُبُهَاتِ والشّهَوَات، والشكُوكِ القَادِحة في الإيمان، وجهاده على ما يُلْقِي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات.
والانسان خلق ضعيفا، لكن بالإرادة والصبر والمثابرة ومن قبلها الاستعانة بالله عز وجل يصبح قويا جبارا قادر على الثبات في الطريق الصحيح.
وصدق النية مع صدق المجاهدة يقابله دعم من الله عز وجل (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت:69] والعكس صحيح والعياذ بالله (نقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف:36].
وخير وسائل الاستعانة بالله كثرة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، واللجوء إليه. ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ [آل عمران: 8].
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم مصرِّف القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك))؛ رواه مسلم، وكان صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه رضي الله عنهم أن يدعوا بهذا الدعاء: ((اللهم إني أسألك...قلبًا سليمًا، وأسألك لسانًا صادقًا))؛ رواه أحمد.
اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك. واجعلها عامرة بما تحبه وترضاه.
يا الله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فأعنا.
التعليقات