«سانا»..أول مذيعة أخبار إلكترونية بتقنيات الذكاء الاصطناعى فى الهند، بدأت عملها خلال الأيام القليلة الماضية، حيث استقبلت الضيوف بثلاث لغات فى حفل إطلاقها، وقدّمت نفسها لرئيس الوزراء الهندى، بمظهر خارجى متماسك جدا، لدرجة أنه لا يمكن لأحد ملاحظة أن «سانا» شخصية غير حقيقية. وقبلها بخمسة شهور ظهرت، أول مذيعة أخبار للذكاء الاصطناعى بالصين..هذا الجانب يشكل أحد المخاوف من تطبيقات الذكاء الاصطناعى وما تمثله من تهديد للوظائف البشرية، فقد ذكر تقرير لبنك الاستثمار غولدمان ساكس، إن هذه التطبيقات يمكن أن تحل محل نحو 300 مليون وظيفة خلال الفترة المقبلة. ولكن هناك مخاوف أخرى عديدة قد تجعل كفة المخاطر تعلو عن كفة الفرص التى تتيحها التطبيقات الذكية! كل ابتكار علمى يحمل فرصا للتقدم، وفى الوقت نفسه ينطوى على تحديات جديدة، ولكن يحظى هذا التطور بسمات جعلته يختلف عن نتائج الثورات العلمية السابقة، حيث يعرف الذكاء الاصطناعى بأنه قدرة الآلة على تقديم عمليات معرفية مماثلة لتلك التى يؤديها البشر، تتضمن الإدراك، والتعلم، والتفكير، وحل النزاعات، والتفكير التحليلي. ولذلك حرصت العديد من الصناعات ووسائل الإنتاج على الاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعى، وامتد ذلك الى الطب والتعليم والبحث العلمى ومجالات أخرى تعتبر إنسانية بحتة مثل التأليف والفن .
لذلك تضاعفت الاستثمارات العالمية فى الذكاء الصناعى حيث بلغت 77٫5 مليار دولار عام 2022، مقارنة بنحو 36 مليار دولار عام2020. وخصصت الوكالات الحكومية غير الدفاعية بالولايات المتّحدة 1٫7 مليار دولار للبحث والتطوير بمجال الذكاء الاصطناعى فى 2022، بارتفاع 13% عن العام 2021. ولكن تفاقمت المخاوف من هذه التطبيقات مع تداعيات (جى بى تى شات) المدعوم من «مايكروسوفت» والذى أحدث ضجة كبيرة فى أرجاء العالم، بخاصة بعد أن دخلت منافستها «جوجل» السباق، بإصدار روبوت الدردشة: «بارد»! مما ضاعف القلق بشأن انتهاك الخصوصية والأمان نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعى فى جمع البيانات الشخصية. هذا القلق أصبح يساور الباحثين والسياسيين على حد سواء، فقد أجرى باحثون أميركيون استطلاعاً للرأى شمل باحثين فى هذا المجال ، حيث أوضح 73% أنهم يتوقعون أن يقود الذكاء الاصطناعى قريبا تغييرا اجتماعيا ثورياً، بينما ذكر 36% أنه قد يتسبب فى (كارثة من العيار النووى) على حد وصفهم! كما دعا الملياردير الأمريكى إيلون ماسك، وعدد من خبراء الذكاء الاصطناعى- فى رسالة مفتوحة - إلى التوقف ستة أشهر عن تطوير أنظمة أقوى من «تشات جي.بي.تى-4»، لافتين إلى المخاطر المحتملة لمثل هذه التطبيقات على المجتمع، بخاصة مع الخوف من مصير الكم الهائل من المعلومات التى تتم مشاركتها معه أثناء المحادثات، حيث يعتمد عليه ملايين المستخدمين فى أداء الواجبات المدرسية، وتحرير رسائل البريد الإلكترونى، وأمور أخرى عديدة. من جهة أخرى يمكن أن يؤدى تقدم التكنولوجيا الذكية إلى فقدان السيطرة عليها، وهذا يزيد من المخاوف المتعلقة بالاستخدام السليم للتكنولوجيا.
لذلك دعا رئيس شركة جوجل (ساندر بيشاى) إلى وضع ضوابط قانونية للتكنولوجيا الجديدة، لافتا إلى إمكانية اختلاق (فيديوهات متقنة التزوير) يمكن فيها استخدام وجوه أشخاص حقيقيين فى فيديوهات مسيئة أو إباحية دون إذنهم أو علمهم. كما يمكن أن يؤدى استخدام التكنولوجيا الذكية إلى التمييز وعدم المساواة فى المجتمع، وهذا يرفع قضايا غياب العدالة فى الوصول إلى التكنولوجيا. هذه المخاوف لم تغب عن الرئيس الأمريكى بايدن الذى أخبر مجلس مستشاريه للعلوم والتكنولوجيا بأن الذكاء الصناعى يمكن أن يساعد فى علاج الأمراض ومكافحة تغير المناخ، (ولكن من المهم أيضاً معالجة مخاطره المحتملة على المجتمع والأمن القومى والاقتصاد)، مشددا على أن (شركات التكنولوجيا تتحمل مسئولية ضمان سلامة منتجاتها، قبل الإعلان عنها).
بعض الدول ذهبت الى أبعد من ذلك حيث حظرت ايطاليا (جى بى تى شات) فى مارس الماضى كما شددت إسبانيا وفرنسا الرقابة ضد هذا التطبيق وشكلت هيئة أوروبية مختصة مجموعة عمل لتعزيز التعاون الأوروبى فى هذا المجال. فى جميع الأحوال علينا التعامل مع هذه المخاوف بشكل جدى، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتأكد من استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى بطريقة عادلة وآمنة ومسئولة، من خلال تطوير قواعد ومعايير تنظيمية وأخلاقية لاستخدام التكنولوجيا الذكية، وتشجيع البحث والتطوير فى هذا المجال بطريقة تعزز الفائدة الاجتماعية.
التعليقات