العدوان على غزة والفرص المهدرة! 

العدوان على غزة والفرص المهدرة! 

د. محمد يونــس

في أحد أوجه العدوان الغاشم على غزة، فرص مهدرة للشعوب العربية والإسلامية والعالم، لكشف الأسس الفكرية لوحشية الاحتلال الإسرائيلي ليس فقط أمام الأجيال الجديدة من أبناء الأمة العربية التي لم يتاح لها معايشة المجازر التي قامت بها اسرائيل منذ النكبة عام 1948، وإنما أيضا أمام العالم الجمع، باعتبارها تشكل خطرا على الإنسانية يماثل النازية. هذه الأسس الفكرية التي تجسد حقيقة الصهيونية، وراء ما تقوم به اسرائيل من مجازر وإبادة جماعية للشعب الفلسطيني. الأمر الذي يقتضي تحركا عالميا مستمرا لبيان حقيقة الصهيونية ورصد وتوثيق جرائم الإبادة الجماعية، والعمل على عدم تكرارها مرة أخرى، تماما كما فعل اليهود انفسهم لمنع تكرار المحرقة، فنحن بالفعل أمام هولوكوست جديد، في مفارقة غريبة تحول فيها الضحية بالأمس (اليهود) الى جاني يستهدف اليوم ضحايا أبرياء هم الفلسطينيون!

 تكشف هذه المفارقة العجيبة عن فرص مهدرة كثيرة يمكن استغلالها لحماية ليس فقط الفلسطينيين وإنما العرب والإنسانية جمعاء من هذه النازية الجديدة، وذلك على النحو التالي:

أولا: اغتنام فرصة انكشاف حقيقة الصهيونية أمام أعين العالم على مدى 6 شهور من العدوان على غزة، لتشكيل تحالف دولي لمواجهة الصهيونية فكرا وممارسة، والتي تقوم على احتلال أراضي الغير وقتل المدنيين والفصل العنصري وانتهاك مختلف المبادئ والقوانين الإنسانية وحقوق الإنسان ورفض تنفيذ قرارات الشرعية الدولية. مما يستوجب توعية العالم بمخاطرها، مع كشف خلط الأوراق التي تقوم به الدعاية الاسرائيلية للتماهي بين الصهيونية ومعادة السامية، من خلال تحليل الأسس الفكرية لكل منها ويتطلب ذلك تحليل الخطاب الصهيوني وكشف مرتكزاته وأبرزها العنصرية الدينية والعرقية واستعباد غير اليهود واستباحة دمائهم ومواردهم واحتلال أراضيهم، والتي يعلنها العديد من زعماء الأحزاب السياسية الإسرائيلية وليس فقط قادة الجماعات الصهيونية المتطرفة.

ثانيا: توثيق جرائم الاحتلال وإتاحتها للعالم، وسبق ان طالبت، في مقال سابق، بإنشاء متحف للهولوكوست الفلسطيني يضم نماذج وصور فتوغرافية وفيديوهات لأشكال التدمير والإبادة الجماعية والمذابح والجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة ضد البشر والحجر والشجر، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا وتدمير المدارس والمستشفيات والمساكن والبنية التحتية ومصادر المياه والطاقة، والعدوان على الطواقم الطبية والإعلامية وطواقم الإسعاف والإغاثة، بحيث يكون لهذا المتحف مقر رئيسي ومقرات فرعية في الهيئات الدولية والعواصم العربية والإسلامية والغربية، على غرار متاحف الهولوكوست اليهودية المنتشرة بالعواصم الغربية بهدف منع تكرار جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين والعالم.

 إن إنشاء هذا المتحف ضروري جدا لأن خبرتنا مع الآلة الإعلامية الصهيونية تؤكد أنه سيتم قريبا محو كل وثائق وصور الجرائم التي ارتكبتها الاحتلال الإسرائيلي والترويج لصورة ذهنية مغايرة وزائفة بديلة، فهذا ما اعتادت عليه الدعاية الصهيونية النفاذة في وسائل الإعلام العالمية منذ العام 1947 حيث تم حجب الكثير من المذابح والجرائم التي ارتكبتها العصبات الصهيونية وقوات الاحتلال الإسرئيلي على مدى 7عقود، وبعد انتهاء الحرب الجارية سوف تتحرك الآلة الإعلامية الصهيونية لمحو هذه الجرائم من المنصات الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي تحت مزاعم كثيرة مثل "منع الكراهية" ونشر "ثقافة السلام"!!

ثالثا: تفعيل دور الهيئات والاتحادات المهنية والعمالية وجمعيات حقوق الإنسان في العالم، على مستويين: الأول التوعية بالجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال تجاه أفراد هذه الهيئات والطواقم في فلسطين والقيام بفعاليات للاحتجاج على ذلك، فعلى سبيل المثال لا يوجد وجه للمقارنة بين حجم الفعاليات التي قامت بها الجمعيات النسوية بالعالم احتجاجا على مقتل امرأة واحدة بإيران (مهسا أميني) حيث شاهدنا حلق شعر النساء أمام الكاميرات، وحرق الحجاب وغيرها من أشكال الاحتجاج، بينما لم نجد اهتماما مماثلا من جانب الجمعيات النسائية الكبرى ضد جريمة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني بغزة حيث تم قتل وإصابة 100 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال.

والثاني: تبني دعوة عالمية لمقاطعة الاتحادات المهنية والعمالية والنسائية والإعلامية الإسرائيلية، وتجميد عضويتها في الاتحادات الدولية، احتجاجا على صمتها إزاء الجرائم التي ترتكب بفلسطين ضد حقوق الانسان والطواقم الطبية والإعلامية وهيئات الإغاثة.

رابعا: استمرار فضح جرائم الاحتلال، عبر شبكات التواصل الاجتماعي بمختلف اللغات، ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والدعوة لقيام دولته المستقلة على حدود يونيو1967وعاصمتها القدس الشرقية.

التعليقات