• كاتبا الفيلم فرطا في فرصة ثمينة للربط بين «العضاضين» ومغتصبي حقوق الناس كما فعل محمد شبل في «أنياب»
• الاستعانة بإثنين من المطربيين الشعبيين والاعتماد على المحاكاة الساخرة لأعمال فنية معروفة لم يُنقذ الفيلم من الفشل
أكبرالظن أن المخرج والكاتب والممثل والمونتير الأمريكي جورج أندرو روميرو (1940 – 2017)، صاحب فيلم الرعب «ليلة الموتى الأحياء» Night of the Living Dead(1968)، لم يتخيل، مُطلقاً، عندما أبدع فيلمه، الذي كرس لظاهرة أفلام «الزومبي»، التي تستيقظ فيها جثث الموتى، وتتحرك، أنه سيأتي اليوم، الذي تتجرأ فيه السينما المصرية، وتُقدم على إنتاج فيلم بعنوان «زومبي» !
أثر الهزيمة على الوجوه
الاستعداد للمعركة
بالطبع من حق أي «مُبدع» أن تغويه الظاهرة، التي اكتسبت شعبية جارفة، في أنحاء العالم، حتى تحولت إلى عنصر جذب، ووسيلة ترفيه؛ سواء في الأفلام وألعاب الفيديو أوالقصص المصورة، لكن ماليس من حق أحد أن يتعامل معها باستهانة، واستخفاف، ويُنحي، في معالجته الدرامية، الجدية التي تجعل من العمل بحثاً علمياً، أو نوعاً من الخيال العلمي، في أضعف الإيمان، أو حتى ضرباً من السحر الأسود أو الأعمال السُفلية، وهو المأزق الذي وقع فيه أمين جمال ووليد أبو المجد (كاتبا مسلسل "المداح")، في فيلم «زومبي»، إخراج عمرو صلاح؛ فالفيلم ضرب عرض الحائط بجدية التناول، واحترام عقلية المتلقي، وليته نجح في تحقيق هدفه (صُنع فيلم كوميدي لا يستهدف سوى الضحك) !
الزومبي كما صورهم الفيلم
بطة .. والحاوي
فرصة ذهبية .. تضيع
العجيب أن أمين جمال ووليد أبو المجد انطلقا من فكرة مُثيرة للغاية، تُذكرك بما فعله المخرج محمد شبل في فيلمه «أنياب» (1981)؛ عندما ربط بين أسطورة «دراكيولا»، ومصاصي الدماء، وبين الفقراء والبسطاء، ضحايا مصاصي الدماء العصريين، من المستغلين، والمتاجرين بقوت الشعب؛ مثل : السباك / سائق التاكسي / الميكانيكي / الطبيب / المدرس صاحب العمارة، كما رصدهم الفيلم وقتها، فقد كان هدف الطبيب «د.زاهي» (علاء مرسي) من تجربته الجينية، خدمة البشرية، واستحداث جيل يُخلصنا من «الناس اللي بتاكل حقوق بعضها»، عن طريق نقل الصفات الطيبة، كالوفاء عند الكلاب، إلى بني الإنسان، لكن التجربة انحرفت عن مسارها، وتسببت في إنعاش الموتى، وظهور «الزومبي»، أو «العضاضين»، كما أسماهم «سلطان» (محمد محمود)، وبدلاً من أن يبدأ «العضاضون» بتصفية «مُغتصبي الحقوق»، أمعنوا، ربما خوفاً من الرقابة التي أَنْشَبت أنيابها في فيلم «أنياب»، في قتل المُسالمين، من الفقراء والبسطاء، وتحويلهم، عن طريق «العض»، إلى «زومبي»، ومن ثم فقد الفيلم أهميته، وما كان يُمكن أن يكون مصدر قوته، من تجديد، وابتكار، وعانى من البلادة، وتكرار المواقف (هروب مستمر من الزومبي)، وضحالة الأفكار، فضلاً عن طغيان العبث، وغياب المرجعية العلمية (أمين جمال ووليد أبو المجد)، وكلها مثالب يتحمل مسئوليتها المخرج عمرو صلاح، الذي عانت التجربة، بسببه، من هزال فني واضح، على صعيد "التكنيك"، وشهدت تراجع كل عناصر الفيلم؛ سواء من حيث التصوير (محمد عكاشة) أو الموسيقى التصويرية (محمد شفيق)، أو المونتاج (رانيا المنتصر بالله)، التي وقعت، مع المخرج، في خطأ فادح عندما قال «جمعة» سائق الميكروباص : "حظي قليل بانادي عليه بالحظاظات"، وبعدها يأتيه السؤال من «بطة» (علي ربيع) : "ايه كل دي حظاظات ؟" !
ربيع يواجه زومبي
وباستثناء ديكور حسين بكري والاجتهاد الملحوظ لياسر النجار (ميركوري لأعمال الجرافيك والمؤثرات البصرية) وستايلست خالد عبد العزيز ومحمد بركة (بعيداً عن فجاجة ملابس ويزو)، والحضور القوي، رغم ضعف بناء الشخصية الدرامية، للممثلة الشابة هاجر أحمد، في دور «تمارا»، لا يثير فيلم «زومبي» الاهتمام، ويفتقر إلى المتعة، والتشويق، وتغيب عنه الإثارة، بشكل لا يمكن تصديقه في فيلم يتحدث عن «أشخاص عادوا للحياة يُهاجمون الأحياء»؛ فالبناء الضعيف، والاستسهال، جعل الجميع يدفع الثمن، والاستعانة بإثنين من المطربيين الشعبيين، أصحاب الجماهيرية العريضة؛ مثل : محمود الليثي ورضا البحراوي، لم يُنقذ الفيلم من الفشل (احتل المرتبة الثالثة في الإيرادات من بين ثلاثة أفلام !) .
زومبي على الطريقة المصرية
فيلم داخل الفيلم
المحاكاة الفاشلة
اللافت أيضاً أن الاعتماد على المحاكاة الساخرة لأعمال فنية معروفة، أو ما يُطلق عليه «البارودي» parody، كما حدث في استعارة الخطبة الشهيرة للفنان القدير كمال الشناوي، في فيلم «الإرهاب والكباب»، وتحول الأصدقاء الثلاثة إلى كورال للمطربين الشعبيين، على غرار ما فعل علاء ولي الدين مع سامي سرحان في فيلم «عبود على الحدود»، والتنويه إلى فيلم «شمس الزناتي»، عمقت جراح «زومبي»، تماماً مثل الاستعانة بالقديرين عارفة عبد الرسول، في دور «أم بطة»، وسامي مغاوري، في دور «شاهين»، اللذان كانا في أسوأ حالة لهما؛ فالأولى أريد لشخصيتها أن تنتقد «هوس» التكسب من «اليوتيوب»، وكانت ثقيلة الدم، والثاني جسد شخصية باهتة للتربوي، الذي يرفض زواج ابنته من فاشل، وعلى هذا النسق من الفشل، وثقل الدم، جاءت شخصية «الدهشوري»، التي جسدها عمرو عبد الجليل، والشخصيات التي أداها رباعي «مسرح مصر» : «بطة» (علي ربيع)، «الحاوي» (حمدي الميرغني في أسوأ حالاته)، «مُرجان» (كريم عفيفي) و«أمينة» (ويزو)، ولم تترك بسنت صيام، التي جسدت دور «سهى»، أية بصمة، لكن صدمتنا الكبرى كانت في الفنان القدير محمد محمود، الذي فشلت «لازمته» الواحدة في استدرار ضحكاتنا، وإن نجحت ظلت ابتسامتنا شاحبة، على غير المتوقع منه !
النجاح المدوي لفيلم «ليلة الموتى الأحياء»، الذي تمثل في تحقيق إيرادات بلغت وقتها (1968) 12 مليون دولار محلياً و 18 مليون دولار عالمياً، لم يكن هو السبب الوحيد في تخليد اسم مخرجه جورج روميرو، وإنما اختياره من قبل مكتبة الكونجرس للحفظ في السجل الوطني للأفلام «لأهمية الفيلم ثقافياً وتاريخياً وجمالياً».
فأي مصير ينتظر فيلم «زومبي» ؟ وهل يمكن أن يتم تخليده كمثال ل «فيلم الرعب الذي لَا يُعْرَفُ الِابْتِكَارَ وَلَا الِابْهَارُ» !
التعليقات