• دعاوى المطالبة بمصادرة العمل تُخفي في طياتها قلقاً من نجاحه في توعية شريحة غسلوا عقولهم بالأفكار الظلامية
• المسلسل لم يترك الاتهام مُعلقاً ولم يُقيد القضية «ضد مجهول» و كشف «النقاب» عن «المُتهم» الحقيقي
• «إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً» .. هكذا فعل الداعشيون بمدينة الرقة السورية
السؤال الذي يؤرقني، مذ بدء عرض حلقات مسلسل «بطلوع الروح» :"ما الذي أزعج البعض، وأغضبهم، حيال عرض المسلسل"؟ وماذا يضيرهم في قيام مسلسل بتفنيد، وفضح التنظيم المتطرف، المُسمى «داعش»، و دحض أفكاره"؟
أخشى أن يكون دفاعهم، واستنكارهم، بمثابة اعتراف ضمني بأن التنظيم المُتطرف يُمثل الإسلام" ؟
في هذا السياق لا ينبغي ل "شيخ"، أن يُبرر هجومه على المسلسل، من قبل أن يبدأ عرضه، بأنه كان الأحرى بأصحابه «إنتاج مسلسل عن أميركا التي قتلت مليون فيتنامي أو روسيا التي تقتل الأبرياء؟".؛ فالأمر المؤكد أن مثل هذه الدعاوى تُخفي في طياتها قلق، وانزعاج، كبيرين، من احتمالية نجاح المسلسل، الذي كتبه محمد هشام عبية وأخرجته كاملة أبو ذكري، في توعية شريحة كبيرة جرى التغرير بها؛ عبر تلقينها أفكار ظلامية، تُسيء للإسلام بأكثر مما تخدمه، وتُحسن صورته.
والطامة الكبرى أن جيلاً كاملاً من الشباب، في جميع أنحاء العالم، تعرض، طوال سنوات، لعمليات عدة، ومستمرة، من «غسيل المخ»، والغواية، لاقناعه، بالمال والنساء، للانضمام لصفوف تلك الجماعات الإرهابية؛ بحُجة الجهاد، وكلها أفكار سوداء يطرحها مسلسل «بطلوع الروح»، ويُعريها؛ فأي عقل ذلك الذي يدفع الشاب «أكرم» (محمد حاتم)، مهندس الإلكترونيات، الذي يعمل مديراً لأهم شركة إعلانات في مصر، إلى تقديم استقالته، بعد أن أوعز إليه "بعضهم" أن فلوس الإعلانات حرام، ثم أقنعوه بأن يختطف زوجته «روح» (منة شلبي)، المدير التنفيذي لسلسلة فنادق، وطفلهما المريض «سيف» (الطفل مُعاذ عمار)، ويُغادر مصر إلى تركيا، ومنها إلى مدينة "الرقة" السورية، لينضم إلى التنظيم الإرهابي، الذي اختار "الرقة" عاصمة لدولة الخلافة المزعومة !
«أكرم»، بالطبع، أنموذجاً للكثير من الشباب الحائر؛ فقد أراد أن يكون لاعب كرة فأصبح سكيراً، ومدمناً، وقبل أن يغرق في شططه الديني كاد يقتل الطبيبة، لأنها أرجعت مرض ابنه إلى حكمة إلهية، ورغم تطرفه الديني لم يُفارق الوشم رقبته، ويده، ولم يُبال برأي الفقهاء الذين اعتبروه من الكبائر، ولعنوا فاعله؛ ففي كل الأحوال هو متردد، وضعيف الشخصية، ما جعله لقمة سائغة في أيدي المتطرفين، الذين غرروا به بسهولة، لكن المسلسل لم يترك الاتهام مُعلقاً، ولم يشأ أن تُقيد القضية «ضد مجهول»، وإنما وضع يده على «المُتهم»؛ حين كشف «النقاب» عن «عمر الدسوقي» (أحمد السعدني)، صديق الدراسة، الخجول، المُنْطَوى والحقود، الذي أحب «روح» لكنها تزوجت «أكرم»، وانتهز فرصة وفاة والدته ليواسيه، ويُطالبه بالعودة إلى الصلاة، وحضور الدروس الدينية للدعاة المتطرفين، وعقب انضمامه إلى «داعش»، وصار واحداً من قياداتها، ويُكنى «أبو أسامة»، أغرى «أكرم» بالسفر إلى مدينة غازي عنتاب، جنوب تركيا، بوصفها الأقرب إلى الحدود السورية. وهنا لم يكتف الكاتب محمد هشام عبية بفضح «داعش»، لكنه قبلها عرى تركيا، ودورها في صناعة الإرهاب، وتمويله، واحتضان الإرهابيين؛ فالأدوية، والمقويات الجنسية، تأتي للتنظيم من تركيا، ومدينة "غازي عنتاب" صارت بؤرة لاستقطاب المتطرفين، ومعبراً لدخول الأراضي السورية، وتحديداً مدينة "الرقة"، شمال سوريا، ويشهد التاريخ أنها المدينة التي شهدت مذبحة الأرمن على يد الأتراك ، والتي راح ضحيتها من 600 إلى 1000 قتيل، بل أنها كانت في الأصل مدينة سورية، اسمها عنتاب، واحتلها الأتراك بعد عام 1920، وعدلوا اسمها كما يفعل المحتل؛ عندما يغير الأسماء والتاريخ، ليطمس الحقيقة !
من الدار إلى النار !
«احنا عايشين في كفر وضلال» .. هكذا أدخل «أكرم» في روع «روح»، وعندما أصبحت كنيته «أبو سيف المصري»،عقب مبايعة «أبو بكر البغدادي»، أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، كما يُطلق عليه أتباعه، وانحراطه في معسكرات التدريب على القتال، والذبح أيضاً، بدا وكأنه وجد كينونته، والشيء الذي كان يبحث عنه، وبعدما كان الشاب الوديع والخلوق، تبدل شكله، وربى لحيته، وتجهم وجهه، وصار متعطشاً لسفك الدماء، بينما وجدت «روح» نفسها مُجبرة على الإنضمام إلى لواء الخنساء، الذي تترأسه «منال» أو «أم جهاد» (إلهام شاهين) فكانت فرصة لنتعرف على أفكار الدولة الداعشية؛ التي على رأسها «مفيش حاجة اسمها وطن .. فيه دولة خلافة وبس .. والوطن حفنة من تراب عفن» (نفس ما يؤمن به التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين !)، والإقرار بمشروعية قتل، وذبح، من يخالفهم في الدين، وهو ما أكدته «أم جهاد» بقولها : « من يتبع غير الإسلام ديناً سنحاربه بالمدرعات، بالدبابات وبالأحزمة الناسفة، ولن ندع لهم سبيلاً لاتباع أي دين آخر»، والقادة، وعلى رأسهم «أبو أسامة» (السعدني)، ممن يدفعون الشباب قسراً إلى الموت المجاني، بينما يُردد، بتزلف ورياء : "وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ". ورأينا كيف يُحرمون الحقائب الملونة، ويُطلقون يد شرطة الحسبة، ولجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتخذون من النساء والاطفال، لحظة الخطر، دروعاً بشرية، ويُهللون فرحاً لتفجير الكنائس في مصر، التي يبدو، حسب ما يؤكده المسلسل، أنها كانت بمثابة غُصة في حلق «داعش»؛ فالمصريات المُقبلات على الإنضمام للتنظيم الإرهابي قليلات للغاية، بعكس جنسيات أخرى، والاهتمام بالعلم الوضعي في مراحل تعليمها، وتجاهل الشرعي، يؤرق قادة التنظيم، الذين يأتي دخول مصر «فاتحين في رَكب ترتعد له أفئدة الكفار والصليبيين وأعوانهم»، على رأس أهدافهم، وأولوياتهم، لقناعتهم المُطلقة أن «دولة الخلافة لن تقوى إلا إذا كان لها ساق في الشام والأخرى في مصر» !
هل يعني هذا أن مسلسل «بطلوع الروح» خطبة إنشائية، ورسالة مباشرة، تفتقر إلى اللغة الجمالية ؟
ثمة من يرى أن تناول مثل هذه القضايا عبر الشاشة الصغيرة، التي تخاطب شرائح متباينة التعليم والوعي والثقافة، يتطلب، أحياناً، هذه المباشرة، لكن الواقع أن المخرجة كاملة أبو ذكري لم تستسلم لهذه الفرضية، وبذلت جهداً كبيراً في إضفاء ثراءً بصرياً على الرسالة الدرامية، أو بالأحرى السياسية؛ بداية من «تكنيك» العودة إلى الماضي لتفسير ما جرى، قبل كل حلقة، مروراً بإختيار زاوية تُظهر «أكرم» كالفأر في الحجرة، وصولاً إلى رصد الخراب الذي حل بمدينة الرقة، على يد الداعشيين، وكأنها تقدم لنا تطبيقاً عملياً للآية الكريمة «إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً». ولا ننسى لمحتها الذكية وهي تُنهي خطبة الدعاء لخليفة المسلمين، بأن يُسدد خطاه لما فيه خير البلاد والعباد، بصورة هي أقرب إلى اللوحة التشكيلية، لانفجار مُدمر يطول حافلات ركاب، وألسنة النيران تتطاير في السماء، وتتحول المدينة، إلى صورة من الجحيم، وكذلك تصويرها بشاعة جلد النساء، وإجبار زوجات "الشهداء"، على «جهاد النكاح»؛ بحجة أن «الجهاد ليس حمل السلاح وقتال الأعداء فقط، بل أن تبدأي حياة جديدة مع مجاهد آخر» !
يبدو أن الهلع، الذي أصاب «الداعشيين»، ومن على شاكلتهم، كان له ما يُبرره؛ فالمسلسل يفضحهم، ويُعريهم، ويسيء لصورة «داعش»، والمتطرفين بالفعل، وليس الإسلام، والمسلمين، لكن في ما يبدو أن فضح الجماعات الإرهابية، وتفنيد الأفكار الظلامية، يستحق المساءلة، ويستوجب المصادرة !
التعليقات