«مَا لِي أَسْمَعُ جَعْجَعَةً وَلَا أَرَى طِحْنًاً»، عبارة مأثورة، إذا أردنا تفكيكها لغوياً؛ فإن معناها سماع صوت الرّحى (طاحونة طحن الحبوب)، وهي تدور، لا يعني، بالضرورة، أنها تُنتج طحيناً أو دقيقاً، لكن العبارةتحولت إلى مثل جاهلي يُضرب للدلالة على كَثْرَةِ الْجَلَبَةِ ، وَالصَّخْبِ ، وَالْوَعُودُ مَعَ قِلَّةِ الَفِعْلِ ، وَالْعَمَلِ ، وَالْإِنْجَازِ.
عرفات (أحمد أمين) ومحارب (فتحي عبد الوهاب) ويسري (محمد جمعة) .. قبل رحلة الشتات
أحمد امين في دور عرفات
تذكرت كل هذا، وأنا أتابع الحلقات الأولى من مسلسل «جزيرة غَمام»، الذي كتبه عبد الرحيم كمال، وخشيت أن يكون جَلَبَة وجَعْجَعَةً، ومجرد استثمار لنجاح «القاهرة كابول»، لكن ظني خاب؛ فما رأيته، حتى الآن،يُمثل إنجازاً على صعيد الإخراج (حسين المنباوي)، والكتابة (عبد الرحيم كمال)، والأداء التمثيلي المتفوق (أحمد أمين وفتحي عبد الوهاب وطارق لطفي ومعهم رياض الخولي ولبنى ونس)؛ ففي اللحظة الأولى ستُدهشك عبارة «واقع يصنعه الخيال»، لكنك ستُدرك مغزاها، مع امتزاج الواقع والخيال بالفعل؛ وتتساءل عن العلاقة بين «القصير» و«جزيرة غَمام»،وأولاد عرفات، وزيارة السادات للقصير عام 1977، لافتتاح مصنع سردين، وزيارته للقدس، لكن لا ينبغي، مُطلقاً، أن تشغلك أسئلة كهذه عن القراءة اليقظة للرسائل، التي يتبناها المسلسل، ويُمررها «كمال»، عن التحول من الدولة المدنية إلى الدولة الدينية، وإرهاصة التطرف، وظاهرة «نواب الله في الأرض»، الذين يتدثرون بعباءة الدين، ويلحوا في المُطالبة بتطبيق شرع الله، بينما هدفهم تضليل الناس، وتحقيق مآربهم الانتهازية الرخيصة.
فتحي عبد الوهاب في دور محارب
محمد جمعة في دور يسري
وعلى الجانب الآخر يضع العمل أيدينا على «بروتوكولات» سياسة الاستيطان: «أولها تطاطي، وتانيها تسعي في خرابها،وتالتها تمسكها من قرونها» .. ورسائل عديدة ستكشف عنها الحلقات المُقبلة من «جزيرة غَمام»، التي تجري أحداثها، في الظاهر، عام 1914أيام الخديو عباس الثاني ، بينما هي، في واقع الأمر، تروي وقائع زمننا الحاضر !
القراصنة الجدد (طارق لطفي ومي عز الدين)
قرية من نسج الخيال
التعليقات