أحدثكم اليوم عن قصة حب أخرى، لقبت بالحب العذري حيث لم يتقابل المحبوبان شخصياً ولكنها تقابلا روحياً وفكرياً، أنها قصة حب خليل جبران ومي زيادة.
ولدت مي زيادة في فلسطين لأب لبناني وأم فلسطينية وانتقلت إلى مصر لتكتب في الصحف والدوريات العربية، اما جبران خليل جبران فقد ولد في قرية بشاري في لبنان وهاجر إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراسته الفنية وتولي مسيرته المهنية كفنان وشاعر وكاتب ذائع الصيت عالمياً.
اشتركت هاتان الهويتان العربيتان الاستثنائيتان في علاقة حب فريدة استمرت حتى نهاية حياتهما وأعربوا عن إعجابهم المتبادل بالكلمات المكتوبة والمتبادلة عبر الرسائل التي تبادولها .
أول اتصال بينهم كان بواسطة مي زيادة في عام ١٩١٢ عندما بعثت برسالة إلى خليل جبران توضح مدى تأثرها بقصة سلمى كرامي في رواية جبران الأجنحة المتكسرة ، وقد ذكرت في رسالتها انها على الرغم من أنها وجدت الرواية ليبرالية للغاية بالنسبة لها إلا أنها شاركت وأقرت شغف جبران بحقوق المرأة ومنذ تلك اللحظة ولباقي العمر أصبحوا مراسلين مقربين وأصدقاء مخلصين يتبادلون الرسائل وكانت المراسلة الكتابية هى الوسيلة الوحيدة في تواصلهم.
ثم تلقى جبران في وقت لاحق صورة مي فعرف شكلها.
كانت مي زيادة من دعاة كتابات جبران من خلال انتقاد كتبه ونشرت أعماله في جميع أنحاء العالم العربي وعززت سمعتها كناقدة أدبي. كما كان جبران يرد دائماً على رسائلها ومقالاتها بمنتهى الأناقة والرقة.
شعر خليل جبران بقربه الشديد من مي زيادة وبدا أنه يثق بشكل أعمى في الكشف عن مخاوفه ومشاعره لها. إلى صديقته بالمراسلة واعترف في احداهم بخوفه من الموت قائلاً:
أنا مي، بركان صغير تم إغلاق فتحه كما كتب لها قبل وفاته معرباً عن تطلعه للعودة إلى لبنان الحبيب الغالي في أوائل الثلاثينيات.
بعد مراسلاتهم المتبادلة كونت رابطة قوية جداً بينهم واصبحا لصيقين ببعضهم البعض.
بوفاة جبران ووالدي مي ، أصيبت بالاكتئاب وتم نقلها إلى مستشفى للأمراض العقلية في بيروت.
وعلى الرغم من عدم لقائهما ، أحب اللبناني خليل جبران الكاتبة النسوية الفلسطينية لما يقرب من عشرون عاماً.
وعلى الرغم من الإشاعات التي ترددت عن علاقات حب مي زيادة مع فنانين وكتاب عرب آخرين حضروا صالونها الأدبي ، إلا أنها حافظت على علاقة حب مثالية معه عبر الرسائل وتشهد رسائلهم على علاقة عميقة وداعمة مستمرة ومزدهرة عبر المحيطات حتى الأيام الأخيرة من حياتهم.
من ناحية اخرى يرى البعض أنه قصة حب جبران خليل جبران ومي زيادة بها الكثير من الوهم وان وقعها لم يكن كما اشار الكتاب الذي يحوي رسائلهم المباشرة والمتبادلة بعنوان الشغلة الزرقاء الا ان ذلك لا ينفي ان ما كُتب هو من أجمل ما سطر من ادب الرسائل بين اثنين من اعظم ادباء الشرق .
كما يوجد بعض الاراء التى ترى جلياً ان جبران لم يعترف بحبه لمي زيادة في رسائله
وانه لا يوجد أي اعتراف مباشر بحبه مما يشكك في مصداقية هذا الحب. كم يرى اخرون ان اي حب هذا الذي يدوم عشرين سنة دون أن يعبّر فيه الحبيب عن عميق الحب ومرارة البعاد!
ومن ناحية اخرى فعل جبران عكس ذلك تماماً واعترف بحبه للمرأة التي أحبها حقا، ماري هاسكل: «سأحبك حتى الأبدية. فقد كنت أحبك قبل أن نلتقي كبشريَيْن من لحم ودم بزمن طويل. عرفت ذلك حين رأيتك للمرة الأولى. كان ذلك هو القَدَر. أنتِ وأنا قريبان؛ ففي الجوهر نحن متشابهان. أريدك أن تتذكري هذا دائمًا.”
ومن جهة اخرى هناك محللين يقولون ان جبران لم يسع للقاء مي زيادة بالرغم من قدرته على ذلك وكثرة اسفاره ولم يدعوها للقاءه في فرنسا التى عاش فيها وكل ذلك يوكد من وجهة نظر البعض ان جبران احب رسائل مي له ورسائله لها في عالم افتراضي فقط.
بغض النظر ما هى الحقيقة فأن قصة مي زيادة وجبران خليل جبران هي بلا شك قصة حب بشكل ما حتي لو كان هذا الحب مكتوب ولم يتقابل فيه الحبيبان.
التعليقات