القاهرة تستضيف الممثلة الإسرائيلية صاحبة «المنشور الوقح» الذي أعربت فيه عن حبها لقتلة الفلسطينيين في غزة !
الفارق بين موقف المثقفين والسينمائيين تجاه «مناحم جولان» عام 1987 وصمتهم على «جال جادوت» عام 2022
الذين احتجوا على تكريم ممثل فرنسي في الجونة أين هم من اختراق إسرائيلية لصالات العرض في وضح النهار؟
عام 1987 أعلنت الرقابة على المصنفات الفنية، في عهد نعيمة حمدي، عن عرض فيلم «فوق القمة»، إخراج الإسرائيلي مناحم جولان، وإنتاجه مع ابن عمه يورام جلوبس، وبطولة سيلفستر ستالون، وكان لي الشرف أن قدت حملة صحفية، في جريدة «صوت العرب»، شهدت التفافاً كبيراً من السينمائيين والمثقفين، أجبرت رئيس الرقابة، التي كانوا يلقبونها، وقتها، ب «السيدة الحديدية»، على الرضوخ لمطالب السينمائيين، والمثقفين، وتم سحب الفيلم.
نجح الشارع المصري وقتها، في أن يقول كلمته، بعد ثمان سنوات من القرار الذي أصدره سعد الدين وهبه، وقت أن كان رئيساً لاتحاد الفنانين العرب عام 1979، بمنع التطبيع الثقافي مع إسرائيل، وعشر سنوات على هبوط طائرة «السادات»، في مطار بن جوريون في تل أبيب، في 19 نوفمبر 1977، إيذاناً لما أسماه عودة العلاقات "الطبيعية"، بين مصر وإسرائيل. ومن ثم كانت الصفعة، التي تلقتها الأجهزة السيادية وقتها، والرقيبة نعيمة حمدي، التي كانت تتمثل مارجريت تاتشر، التي لقبت ب «المرأة الحديدية»؛ كونها أول امرأة تتولى رئاسة وزراء المملكة المتحدة، وزعامة حزب المحافظين، وصاحبة أطول فترة حكم في بلدها خلال القرن العشرين، وفشلت في الدفاع عن فيلم «فوق القمة»Over the Top (93 دقيقة)؛ خصوصاً بعد ما كشفت الحملة أن مناحم جولان، مخرج ومنتج الفيلم، ولد عام 1929 في طبرية، التي تُعد واحدة من أقدم مدن فلسطين التاريخية، قبل أن تحتلها إسرائيل، والتحق بسلاح الجو الإسرائيلي، ليُصبح طياراً، وعقب الاستيلاء على هضية الجولان السورية غير اسمه من مناحم «جلوبس» إلى مناحم «جولان»، وقام مع ابن عمه يورام جلوبس، بتأسيس شركة «نوح»،التي أنتجت فيلم «دلتا فورس» The Delta Force، بطولة تشاك نوريس، وبعد فشل الشركة سيطرا، عام 1979، على شركة إنتاج أخرى فاشلة، هي شركة «كانون» The Cannon Group Inc، التي أنتجت فيلم «فوق القمة»، ووقعت مع «ستالون»، مقابل 13 مليون دولار أمريكي، لكن الفشل لاحقهما مرة أخرى، قبل أن تتدخل شركة Warner Bros، عام 1987، لانقاذهما وتبتاع حقوق توزيع عدد من أفلام Cannon، قبل أن تأتي النهاية عندما أشهرا إفلاسهما عام 1989.
أمس .. واليوم
هكذا كانت انتفاضة المثقفين، والسينمائيين، المصريين، عام 1987، مقارنة بما نراه اليوم من صمت مطبق، وتجاهل مريب، لواقعة عرض فيلم، في قلب القاهرة (سينما الزمالك)، اسمه «جريمة على النيل» Death on the Nile (127 دقيقة)، تُشارك فيه ممثلة إسرائيلية، هي «جال جادوت»، ولدت عام 1985، في بلدة روش هاعين الإسرائيلية (المقامة على أراضي كفر قاسم الفلسطينية)، وخدمت في الجيش الإسرائيلي لمدة عامين، وتدين بشهرتها لمسابقة ملكة جمال إسرائيل، التي فازت بلقبها عام 2004، وعملها كمغنية، وعارضة أزياء إسرائيلية، كما أنها زوجة لرجل أعمال إسرائيلي يُدعى يارون فارسانو، ولديها منه ثلاث بنات، ورغم أنها ممثلة محدودة الموهبة، والإمكانات، فإنها، ولأسباب صهيونية معتادة، ذاع صيتها، وفُتحت لها الأبواب للمشاركة في الجزء الرابع من سلسلة أفلام Fast and Furious (2009)، كما شاركت في الجزء الذي عُرض عام 2011 تحت اسم Fast Five والجزء الذي عُرض عام 2013 باسم Furious 6، وعام 2016 شاركت في بطولة فيلم "باتمان ضد سوبرمان : فجر العدل"، وفي ديسمبر عام 2013 أختيرت ضمن فريق فيلم 1984 Wonder Woman.
المثير أن رفض عرض الفيلم، الذي أخرجه، وشارك في بطولته، كينيث باراناه، والمُقتبس من رواية شهيرة بنفس الإسم للكاتبة العالمية المعروفة أجاثا كريستي، جاء من لبنان، والكويت، التي كانت البادئة بمنع عرض الفيلم؛ لأن مُجندة إسرائيلية سابقة (هي جال جادوت)، تُشارك فيه، وأكدت السلطات الكويتية، في تصريح أدلت به لوكالة فرانس برس، يوم الأحد الموافق 6 فبرايرالجاري، أنه لن يُسمح بعرض الفيلم في دور العرض الكويتية، فيما نوهت صحيفة "القبس" الكويتية إلى أن القرار صدر استجابة للدعوات التي طالبت بمقاطعة بطلة الفيلم الإسرائيلية، التي انبرت، كما قالت مواقع التواصل الاجتماعي، تبرر الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني في صيف عام 2014، رغم تسببه في مقتل ما يزيد عن 2250 فلسطينياً معظمهم من المدنيين.
يحدث هذا، من الكويت ولبنان، في الوقت الذي رحبت فيه الرقابة المصرية بعرض فيلم «جريمة على النيل»، من دون أن يرتفع صوت مثقف، أو سينمائي، مصري واحد بالاعتراض، أو الاحتجاج، أو النظر إلى ما يجري بأنه ردة، وانتكاسة، وانقلاب على قرار المقاطعة الذي أصدره اتحاد الفنانين العرب، ومن ثم موافقة ضمنية على«التطبيع» !
أسود على "ديبارديو" نعامة على "جادوت" !
هنا لابد أن نتذكر الضجة التي أثارها البعض؛ بمناسبة تكريم النجم الفرنسي جيرار ديبارديو في الدورة الرابعة (الفترة من 23 إلى 31 أكتوبر 2020) لمهرجان الجونة السينمائي؛ بمناسبة زيارته للكيان الصهيوني، ونتساءل : أيهما أولى، وأجدر، بالمقاطعة، والاتهام بالخيانة ؟ نجم فرنسي الجنسية له مُطلق الحرية في أن يعتنق ما يشاء من «أيديولوجيات»، ويزور المنطقة التي يرغب في العالم أم ممثلة إسرائيلية الجنسية، ولدت في مستوطنة إسرائيلية أقيمت على أنقاض أرض فلسطينية مُغتصبة (كقر قاسم)، وتم تجنيدها، ومن ثم خدمت بإخلاص لمدة عامين، في «تساهل» (اختصار «تسفا هجناه ليسرائيل»؛ أي «جيش الدفاع الإسرائيلي»)، وزوجة رجل أعمال إسرائيلي يزهو بأنه مالك فندق يقع في أول مستوطنة أقيمت على أرض فلسطين، ولم تبخل الصهيونية العالمية على الممثلة، ودعمها بالسبل كافة؛ سواء كملكة جمال لإسرائيل، أو كمطربة، وعارضة أزياء، ثم ممثلة تفتح لها «هوليوود» ذراعيها لمجرد أنها إسرائيلية !
هذه نبذة مختصرة من التاريخ الأسود للممثلة الإسرائيلية جال جادوت، التي عُرض فيلمها في قلب القاهرة، ولم يتفوه أحد، من السينمائيين والمثقفين، بكلمة استهجان، أو تنديد بقرار الرقابة، ولا أستبعد، والحال هكذا، الصمت، في حال اختيارها للتكريم، عن قريب، في أحد مهرجاناتنا السينمائية المصرية، وربما سيغض البعض النظر، وقتها، عن كون والدها التشيكوسلوفاكي، ويُدعى ميشال، ينتمي إلى الجيل الإسرائيلي، الذي احتل فلسطين؛ بوصفها «أرض الميعاد»، وأنها اكتسبت مهاراتها كمحترفة في الفنون القتالية، والدفاع عن النفس، من فترة تجنيدها في جيش الدفاع الإسرائيلي، ولن يتذكر أحد مواقفها السياسية العنصرية، والمُعادية، للعرب، والفلسطينيين، و«المنشور الشهير»، الذي تصدر صفحتها الرسمية، عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، أثناء عملية «الجرف الصامد»، التي أطلقها العدو الإسرائيلي، في حربه على قطاع غزة في يوليو من عام 2014، وقولها، بكل وقاحة، في «المنشور القذر» :« أبعث حبي للجنود الإسرائيليين، لجميع الفتيات والفتيان الذين يضحون بحياتهم لحماية أمننا ضد الأفعال الإرهابية التي تقوم بها حركة حماس» .. و«اللي اختشوا ماتوا»!
التعليقات