الداعية الذى كان ملء السمع والبصر قبل أكثر من عشر سنوات، بدأ يعانى من الأفول والانزواء، هل كل أوراقه انكشفت ولم يعد لديه جديد؟، نعم صحيح، ولكنى أضيف سببا آخر وهو موت (الكاريزما)، نعم يحدث بين والحين والآخر أن تجد نجما كانوا يتهافتون عليه، وفجأة يموت الحضور ويخفت الوهج، مهما كانت لديك من أسباب موضوعية للتحليل، ستكتشف أن غير المعلن أكثر بكثير مما تستطيع أن تُمسك به، وفى العادة لا يعترف النجم سواء أكان ممثلا أم مطربا أم مذيعا أم داعية، بأنه بدأ رحلة (إللى يروح ما يرجعش).
ستجد قطعا أسبابا موضوعية، ولكنها ليست كل الحقيقة، سيظل حتى اللحظة الأخيرة، باحثا عن ثقب إبرة للخروج دون جدوى.
تابعت مؤخرا هذا الداعية الذى يعتبره كُثر مؤسسا لظاهرة (الكاجوال) الدينى، لأنها مواكبة للعصر حتى تصل الرسالة إلى الشباب، حطم الشكل التقليدى لما يطلقون عليه رجل الدين، ومع الزمن ظهر له مقلدون، وعدد منهم استطاع التفوق عليه فى (السوشيال ميديا)، إلا أنه لم يفقد الأمل بعد أن يشهد (التريند) لصالحه يوما ما.
تفتق ذهن (مولانا) أن يقدم للجمهور وصفة سحرية رقمية تتماشى مع نراه حاليا من (بروتوكولات) علاجية، تحدد للمريض عدد الأقراص التى يأخذها قبل وبعد الأكل، أحالها هو إلى عدد من التسابيح، من الفجر للعشاء لا تزيد واحدا ولا تنقص واحدا.
هكذا رأيته فى بث مباشر وهو يطلب من متابعيه أن يطمئنوا تماما إلى وصفته الجديدة التى يستعدون من خلالها لاستقبال شهر رمضان.
ومن بين شروطها مثلا أن يردد 50 مرة الله أكبر، يتبعها 100 مرة أستغفر الله العظيم، و150 سبحانك ربى وهكذا.
قطعا أغلبنا تستهويهم هذه الوصفة الدقيقة، لأنها تجعلنا مطمئنين إلى أن الالتزام الحرفى بها يؤدى حتما لدخول الجنة.
أراه نوعا من النفاق الاجتماعى، ومن السهل أن تكتشف تلك الرغبة لدى الناس، لتمنح تلك المعادلة الحسابية قدرا من المصداقية، هل هناك أرقام يجب الالتزام بها للتقرب إلى الله، أم يكفى أن تدعوه بقلب سليم؟، فهو قريب مجيب الدعاء، بينما إضافة تلك (التحابيش) تحيلها إلى (بروتوكول) علاجى حصل هو على براءة اختراعه.
فى الماضى كنا نشاهد أفلاما تكشف هؤلاء المدعين، وأشهر وأصدق من قرر فضحهم هو كاتبنا الكبير وحيد حامد، الذى كان يطلق عليه الأصدقاء المقربون فى بداية بزوغ موهبته (موليير المصرى) تشبها بالكاتب الفرنسى الكبير، الذى مضى على مولده نحو أربعة قرون، والذى كان يقدم فى مسرحياته نقدا لاذعا ممزوجا بالسخرية، قرر أن يفضح النفاق الدينى فى عهد الملك لويس الرابع عشر، فى مسرحية (طرطوف)، ولم يرهبه سطوة رجال الدين الذين تمتعوا بصلاحيات حرق كل من يستشعرون أنه يفضح تسلطهم.
تتعدد الوسائل فى الترغيب والترهيب، هم يستغلون هذا الخوف الكامن من مناقشة رجل الدين، حتى لو بدا فى جزء مما يعلنه ضد المنطق بل ضد عمق الأديان.
والشفاء من هذا الخوف المرضى يبدأ بتحرير المنطق من تلك الخزعبلات، والإمعان فى التفكير لتصل إلى عمق وذروة الإيمان، وهو أن يصدق القلب والعقل معا.
لا أتصور أن تلك الوصفة العددية التى يقدمها لنا (طرطوف المصرى) من الممكن أن تنقذه من بحر الظلمات ورحلة النسيان!!.
التعليقات