يعيش أحمد السقا فى مرحلة فنية حرجة، تفرض عليه ضرورة قراءة الخريطة الدرامية بكل أبعادها (سينما ومسرح وتليفزيون)، ومن الممكن بعدها أن يقرر مثلًا تغيير (بوصلة) الاختيار حتى يعود مجددًا إلى موجة الجمهور.
نجم أم ممثل؟ سؤال كثيرًا ما واجه السقا، إجابتى هى أنه يتمتع أولًا بقدرة استثنائية على الجذب الجماهيرى، وفى أفلامه تقطع عادة التذكرة للسقا، إلا أنك من الممكن أن تصفق بعد نهاية العرض للبطل المساعد الذى شاركه البطولة، ولكن يظل أحمد السقا هو سر الإقبال الجماهيرى، بدليل أنك تعيد الكرّة فى فيلمه القادم.
يتصدر اسمه توصيف نجم الأكشن الأول، حقق مع مطلع الألفية نجاحًا رقميًا لا يمكن لأحد سوى الإقرار به، الحكاية بدأت بعد أن أُسندت له بطولة فيلم (شورت وفانلة وكاب)، كانت السينما تبحث عن (جان) وسيم ويتمتع أيضًا بلياقة بدنية، ناهيك عن حس المخاطرة، كل هذه المواصفات توفرت فى السقا.
مع الزمن، لم يعد السقا فى الميدان وحده، بدأت السينما تقدم جيلًا جديدًا وبرزت أسماء فى نفس الدائرة مثل محمد رمضان وأمير كرارة، ثم إن أشهر من يلعبون دور (الجان) فى السينما، أتحدث عن كريم عبد العزيز وأحمد عز، ستكتشف أنهما فى أفلامهما الأخيرة، سواء اشتركا معًا أو أن كلًّا منهما انفرد بالبطولة، صار الأكشن يشكل جزءًا حميمًا من الحالة السينمائية، لسبب منطقى، وهو أن الجمهور يفضلها: معارك وخناقات. قبل نحو عام تابعنا (أولاد رزق ٣) لطارق العريان، واكتشفنا أن سقف التقنيات ارتفع، وننتظر الأيام القادمة (سيفن دوجز)، وفى كل مرة يرتفع السقف أكثر فأكثر.
عندما سألوا النجم المصرى العالمى مينا مسعود بعد عرض فيلمه (فى عز الظهر) عن مثله الأعلى فى (الأكشن)، وجّه تحية لأحمد السقا، ووضعه فى مكانة أبعد من توم كروز، وتلك قناعته، ولا أدرى ما هى معاييره. فى كل الأحوال، أنا سعيد بإطلالة مينا مسعود، وأقول بضمير مستريح إن مينا أثبت أن جيناته المصرية عميقة، وأمامه فرصة لم تتحقق فعليًا فى فيلمه المصرى الأول والذى سوف أتناوله قريبًا فى تلك المساحة، إلا أنه جدير بالترقب، وتظل آراؤه هو من يتحمل تبعاتها.
أحمد السقا سعيد بلقب (ساموراى)، الذى يُطلق على الأقوياء والنبلاء الملتزمين أخلاقيًا من المحاربين الأفذاذ فى الثقافة اليابانية، وهى صورة ذهنية كثيرًا ما حرص السقا على تصديرها للجمهور المصرى والعربى. أحمد لديه ما يمكن أن نطلق عليه فرط حركة، تابعه فى أى حديث تليفزيونى أو مشهد درامى، ستجد أنك ترصد حركة زائدة. قطعًا هى واحدة من لزماته وملامحه، إلا أننى أراها قد زاد معدلها فى الأشهر الأخيرة، وكاميرا السينما تزيدها وضوحًا، والمشكلة أن فرط الحركة بطبعه معدٍ، ينتقل لا شعوريًا للآخرين.
الفيلم إخراج أحمد نادر جلال، من الأسماء المهمة فى دنيا الإخراج خلال الألفية، جينات الإخراج انتقلت من أحمد جلال الجد، إلى نادر جلال الأب، إلى الحفيد أحمد نادر جلال، نحن بصدد الجيل الثالث، و(الجينات) لا تزال متدفقة.
أحمد نادر جلال يعلم مؤكدًا أن أهم درس يتعلمه السينمائى هو (فى البدء كان السيناريو)، هذه المرة لم يُمنح السيناريو الاهتمام الكافى، الذى شارك فى كتابته أحمد درويش، ومحمد عبد الله سامى، وكريم سامى، وأحمد عبد الوهاب.
الفيلم مصنوع دراميًا لتحقيق معادلة مباشرة، تقضى بتقديم أكبر قسط من المعارك للاستحواذ على الجمهور، ثم إضافة موقف كوميدى، ثم العودة سريعًا للأكشن. لا أتصور سوى أن الفيلم كُتب على مقاس أحمد السقا برغبة فى إنتاج عمل يعيده للصدارة، وكل من شاركوه البطولة، وعلى رأسهم أحمد فهمى، الذى وجد -فيما يبدو- أن هذا الفيلم فرصة لكى يقول لأحمد السقا: شكرًا، لأنه وقف مع الثلاثى هشام ماجد وشيكو وفهمى فى البداية، فى عز نجومية السقا، قبل خمسة عشر عامًا، كضيف شرف جاذب للجمهور فى فيلم (سمير وشهير وبهير)، لمحة قطعًا لا تُنسى. لم تكن هناك شروط لأحد، سوى أنهم جميعًا، ويتصدرهم فهمى، قرروا أن يقفوا فى الطابور خلف السقا.
أحمد فهمى حقق فى السنوات الأخيرة خطوات أبعد كبطل منفرد، هذه المرة، كان أقرب للبطل المساعد، ولا بأس قطعًا فى المساحة، ولكن لا توجد شخصية درامية تتيح له الانطلاق.
لديك جيهان شماشرجى لم تستطع أن تترك بصمة، الدور لا يسمح، حاتم صلاح لم يعثر على (الكاركتر) الضاحك الذى ينتزع (القهقهة)، مطلوب منه (تخفيف) مشاهد الأكشن بجرعة من إثارة البهجة، أخفق تمامًا فى تحقيقها.
عدد كبير من ضيوف الشرف سبقهم توصيف (ظهور خاص)، كانت قطعًا غادة عبد الرازق هى الاسم الأكبر بينهم.
غادة تتوق للعودة للسينما، إنجازها الحقيقى فى دراما التليفزيون، مع عدد من أفلام خالد يوسف، من المستحيل أن تسمح بها الرقابة الآن، أدركت أن البطولة السينمائية بعيدة المنال، ولهذا وجدت فى ضيف الشرف الذى تطل من خلاله فى لقطات معدودة الفرصة الوحيدة المتاحة أمامها.
أجرت مؤخرًا تعديلات فى ملامحها، وصار الأمر يحتاج بضع دقائق من المشاهدة حتى يوقن أنها غادة، بعد التحسينات.
كان الأولى بها أن تمنح الشخصية تعبيرًا أكثر هدوءًا، ولكنها كانت صاخبة فى أدائها ومكياجها، وقطعًا تلك مسؤولية المخرج الذى لم يوجهها دراميًا.
مشاهد الأكشن احتلت الشاشة، الجرعة جاءت مبالغة، كما أنها تستدعى لا شعوريًا كل المعارك التى نرصدها كجمهور فى الذاكرة المرئية، ولن تستطيع الصمود.
حقًا هو فيلم السقا، تم تفصيله على مقاسه، الكل يعلم أن دوره يبدأ وينتهى طبقًا لإرادة السقا.
هل عاد الساموراى للمقدمة؟ لا أعتقد أن (أحمد وأحمد) قادران على تحقيق ذلك، أحمد السقا نجح فى أن ينقل إلى الجمهور (فرط الحركة)، يلازمهم بعد مغادرة دار العرض، ويحتاج الأمر إلى بضع ساعات، حتى نتخلص جميعًا من تلك العدوى!!
التعليقات