- تلاقيك يا عم بكري نفسك القطر ده يبقي طيارة.
- قطر، طيارة، صاروخ حتى…هانوصل في الميعاد اللي حدده ربنا.
- أيه يا عم بكري .. أنت لسه خايف؟
- أه خايف بس مش من هريدي، أنا خايف علشان مبسوط، الدنيا يا ولدي ليها وشين، أبيض وأسود، لما تبقي بيضا قدامك أفتكر الأسود عشان تسلم ولما تبقي سودة أفتكر الأبيض عشان تقدر تعيش لبكرة.
- ده أنت مش بكري الصعيدي بقى، دة أنت أفلاطون، تعرف يا بكري أنك شخصية أسطورية ؟
- يا ولدي قول كلام أقدر أفهمه .
- قصد هاني يقولك أن أنت راجل غريب.
- صوح…أنا في نظر كل الناس جبان.
- لا يا بكري، أنت أشجع الشجعان، اليّ يهرب من الشر مش جبان ابداً.
كان السابق مشهد من أروع المشاهد في ' الأنسان يعيش مرة واحدة ' من تأليف وحيد حامد والذي تم عرضه سنة ١٩٨١ ، المشهد يجمع عادل أمام ( هاني ) ويسرا ( أمل ) وعلي الشريف ( عم بكري ) ويعتبر هذا الفيلم من علامات السينما المصرية.
ولكن هل تتفق مع عم بكري في أختزال الدنيا في وجهين فقط هما الأبيض والأسود؟
حقيقة لا أعلم ولكن عقلي ومنطقي في الحياة لا يقر بفكرة الوضوح الحاسم في الدنيا، فعالمنا لا يتحدد بالأبيض والأسود ، لأن هناك الكثير بينهما من اللون الرمادي.
حتي الليل والنهار في الطبيعة ليسوا بهذا القطع والوضوح، كوقت الغسق والفجر مثلاً فلا يمكن تصنيفهم ليكونوا ظلاماً أو نوراً بشكل قاطع، وحين تغيب الشمس في لحظة ما لا ينزل المساء فوراً ونفس الشيء عند شروق الشمس، هناك دوماً منطقة متوسطة لا تحسب أبيضاً أو أسود وتظل في درجات بينهما، كذلك هي الحياة .
نحن عادة ما نود أختزال الحياة في هذيين اللونين حتي نسهّل علي أنفسنا فهم ألغار البشر ومواقفهم ولنعرف كيف نتعامل معهم، فننظر للأبيض علي أنه منطقة آمنة والأسود علي أنه منطقة خطرة ولكن الحياة ليست بهذه البساطة، فالخير غير واضح أحياناً وكذلك الشر.
الحياة فيها الكثير لنتعلمه وفي رحلتنا نرى الكثير من الظلال الرمادية ونشعر بالحيرة وأحياناً نفشل في تصنيف المواقف أو الناس ولا نعرف هل نضعهم في الفريق الأبيض أم الأسود.
ولكن هل لنا قدرة علي السيطرة والتحكم في الأمور؟ بالطبع لا فنحن لا نملك سوى التحكم في أنفسنا فقط.
ومع ذلك هناك حقائق معينة يجب أن نضعها في الأعتبار للتعامل مع رمادية الحياة ويتمثل ذلك في أمر حتمي وهو الأحتضان لحياتنا وتقبل المناطق الرمادية التي فيها من خلال قبول الأمور والتأقلم معها قدر الأمكان.
قبول الأمور يلعب دوراً مهماً جداً في حياتنا ويجعلنا نتقبل أن الحياة ليست معادلة رياضية تكون الأجابة فيها أما صحيحة أو خاطئة، ولكنها رحلة مليئة بالمغامرات التي ستشمل الأوقات الجيدة والسيئة، عند قبولك أنه ستكون هناك أوقات يتعين عليك فيها الاختيار من بين الأشياء ، وسيكون هناك وقت ستواجه فيه فوضى من المشاكل وستقف حائراً في مفترق طرق…حينها تتقبل أن الحياة ألوانها لا تقتصر علي الأبيض والأسود وستدرك أنها ستمنحك نصيباً من كل ما فيها من التضاد والتجارب السعيدة والحزينة.
نحن نضيع الكثير من الوقت في التفكير فيما هو صواب وما هو خطأ محاولين التصنيف القاطع للأمور وفي أثناء ذلك نفقد الأشياء التي تُعرض علينا في الوقت الحاضر لأننا لا يمكننا تصنيفها ونكون غير قانعين بأنه سيكون للحياة سلبياتها وإيجابياتها ويجب على المرء أن يتقبل كلاهما بنفس الشدة. في اللحظة التي تبدأ فيها بالاحتضان، ستكون هي اللحظة التي ستبدأ فيها بالعيش. أكبر معروفاً علينا أن نسديه لأنفسنا هو أن نتقبل ونحتضن أن نعيش الحياة في ظلالها الرمادية ونحن بينها نختار من نكون.
لقد صدق هاني عندما وصف عم بكري بأنه شخصية أسطورية، فالشخصيات الأسطورية فقط هي من تعتقد أن الحياة لها وجهين هما الأبيض والأسود فقط.
التعليقات